قفزت إلى ذهني فكرة الحديث عن البنوك السعودية ودورها الغائب في دعم النشاط المجتمعي. خصوصاً أن المجتمع السعودي يتطلع منذ زمن لتوسيع خارطة المشاركة المجتمعية للبنوك التي لا تقدم أنشطة اجتماعية ذات حيثية تذكر، رغم أنها المستفيد الأكبر من الزيادات المتتالية في أسعار الفائدة التي يفرضها مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي.
ووفق تقرير صدر مؤخراً عن وكالة «إس آند بي غلوبال» للتصنيفات الائتمانية، فكل ارتفاع يقره البنك الفيدرالي الأمريكي بمقدار 100 نقطة أساس يزيد صافي أرباح البنوك 13 %، ويرفع العائد على حقوق الملكية بمقدار 1.5 نقطة، في المقابل تسهم الزيادة في إضعاف الائتمان.
ولفتني في التقرير إشارته إلى أن بنوك السعودية الأقل عرضة للخطر في الخليج، كما أن الرسملة القوية للقطاع المصرفي السعودي تحظى بمزيد من الدعم نتيجة التباطؤ المتوقع في نمو الإقراض، ما يحمي الجدارة الائتمانية على مدى الأشهر الـ12-24 القادمة.
كل هذا، يجعلني وغيري ننتظر، ليس على استحياء، أن تضع البنوك بنداً في مخصصات أرباحها لتقديم أنشطة اجتماعية ذات أثر واضح ومباشر على المواطن.
ورغم أن القلة القليلة من البنوك تحاول توطيد علاقتها بالمواطنين والمشاركة في قضاياهم الاجتماعية وتقديم العون للمجتمع بشكل أو بآخر، تصم الأغلبية العظمى أذانها عن ذلك، ولا تحاول ولا تسعى ولا تسهم لا بشكل مباشر ولا غير مباشر في جهود التنمية الوطنية في المجال الاجتماعي.
وبنظرة سريعة، لن تجد لأحد البنوك السعودية نادياً رياضياً مثلاً، أسوة ببعض البنوك في البلاد العربية المجاورة، كما أننا لم نشهد أحدها يتبنى إنشاء مستشفى عام، يقدم خدماته للمرضى بتكاليف رمزية، أو استحداث جامعة خاصة بمصروفات أقل، من باب الاهتمام بنشر التعليم والمعرفة بين أولادنا وبناتنا، وتخفيف العبء عن كاهل الأسر التي تضطر لإلحاق أبنائها في جامعات استثمارية خارج المملكة، كما لم نجد أحد البنوك يخطط لبناء مؤسسة تكافل تهتم بالمطلقات والأرامل، أو دار للأيتام، أو حتى دار للمسنين.
ولكي لا يخرج علينا أحد مسؤولي البنوك معدّداً ما يقدمه بنكه من خدمات، فلا بد أن نذكر بعضاً مما يقدم على قلته، فلنأخذ مثالاً مبادرة إفطار صائم، ومبادرة كسوة العيد، وهما مبادرتان موسميتان، ناهيك عن تواضعهما وعدم بلوغهما المستوى المطلوب من مؤسسات ربحية بامتياز.
يا بنوكنا العزيزة.. لا تغيبوا عن المجتمع.. ضعوا في خططكم القريبة أو حتى البعيدة، تصميم وتنفيذ برامج متخصصة في هذا المجال.. فهو أحد واجباتكم تجاه مواطن ينتظر منكم دعماً ملموساً على الأقل للقطاعات المهمة في حياته، سواء كانت صحية أو تعليمية أو اجتماعية.
ويناوشني سؤال أخير: ألا ترى البنوك السعودية أنها تحقق أرباحاً هائلة من ودائع عملائها عبر حساباتهم الجارية وبدون أي عائد ربحي، بينما يقتصر صرف العوائد على عملاء الصناديق الاستثمارية بأنواعها وتحت مظلة تعاقدية سخّرت بنودها لتحافظ على مصالح البنك في المقام الأول متضمنة اتفاقية نسب ربحية للعميل هي الأقل مقارنة بنظرائها في المنطقة بل والعالم.
** **
- عماد عسيري