مشعل الحارثي
فجعت كما فجع غيري يوم الجمعة الماضي 30 شوال 1444هـ بنبأ رحيل أحد رجالات الوطن المخلصين واحد أبناء مدينة الطائف البارين اللواء دكتور حمود بن ضاوي القثامي بعد صراع مع الألم لازمه لأكثر من عشر سنوات حتى وافاه الأجل المحتوم رحمه الله رحمة الأبرار وغفر له وأسكنه فسيح الجنان وجعل ما قدمه من عطاء وجهود كبيرة لخدمة قادته ووطنه ومواطنيه في موازين حساناته، وأن يجعل ما أصابه من مرض مكفراً له وقائداً له إلى جنات الخلد والنعيم.
واحسن الحالات حال امرئ
تطيب بعد الموت اخباره
يفنى ويبقى ذكره بعده
إذا خلت من شخصه داره
ومما أثار شجوني ما سمعته ونقلته لي ابنتي زميلة إحدى حفيدات الراحل من صورة رائعة ونادرة للبر والوفاء من بناته وحفيداته بجدهم ومنذ سقوطه على فراش المرض ومدى تعلقهم به وحبهم المنقطع النظير له وقيامهم على خدمته ومراعاته حتى إنهم لم يفارقوه ولو للحظة واحدة وعملوا ما يشبه جدول المناوبات بينهن وطوال فترة مرضه التي امتدت لسنوات وسنوات، وقد حاولت مراراً زيارته والاطمئنان عليه ولكن للأسف لم يتح لي ذلك بسبب ظروف حالته الصحية الدقيقة، فجبر الله مصابهم وأثابهم عمَّا قدموه خير الجزاء، وأبدل ما أصابهم من حزن وأسى على فقده إلى راحة واطمئنان وسرور.
وإلى جانب ما كان يتحلَّى به الراحل اللواء دكتور حمود بن ضاوي القثامي -رحمه الله - من صفات عديدة في مقدمتها الفطنة والذكاء والعزيمة والإصرار التي جعلته بعد توفيق الله أهلاً لما وصل إليه من تأهيل عال ومكانة وتمكن من أداء كل ما أوكل إليه من أعمال ومهام، فلعلي وفي هذه العجالة أقف هنا على محطات من سيرة ومسيرة وحياة الفقيد تلك السيرة الحافلة بالعطاء الثر والأعمال الجليلة والمنجزات الكبيرة والتفاني في مجال عمله وتخصصه العلمي ومجاله الأمني الكبير الذي أبدع فيه وقدم من خلاله خلاصة علمه ودراساته وتجاربه وممارساته الأمنية.
فهو من مواليد مدينة الطائف عام 1364هـ وبها تلقى تعليمه العام بجميع مراحله ثم التحق بكلية قوى الأمن الداخلي (كلية الملك فهد الأمنية) وحصل منها على درجة البكالوريوس في العلوم العسكرية والإدارية عام 1387هـ، ثم درجة البكالوريوس في الإدارة العامة من جامعة الملك عبدالعزيز بجدة، وبعد ذلك تم ابتعاثه لجامعة كولورادوا بالولايات المتحدة الأمريكية ومنها حصل على درجة الماجستير والدكتوراه في الحاسب الآلي في المجالات التعليمية والإدارية.
وخلال مسيرته العملية تولى العديد من المناصب الأمنية والقيادية والإدارية في عدد من المواقع والمناطق التي عمل بها ومنها ضابط تحقيق بشرطة الرياض، ثم مدير مكتب مدير شرطة الطائف، فرئيس للمنطقة الثالثة بالطائف، فمدير للمباحث الجنائية بالطائف، فمساعد مدير شرطة السلامة بالطائف، ثم مدير شرطة حقل بمنطقة تبوك، مساعد مدير الحوادث بمرور جدة، رئيس التحقيقات الجنائية بأقسام البلد وحي الكندرة الشرقية بجدة، ثم مدير للضبط الجنائي بجدة، بعدها تم نقله مديراً لشرطة حائل عام 1412هـ واستمر بها حتى إحالته على التقاعد عام 1417هـ لبلوغه السن القانونية للتقاعد، وبعد تقاعده عمل أستاذاً متعاوناً مع جامعة الملك عبدالعزيز بجدة، وتم تعيينه عضواً بمجلس إمارة منطقة مكة المكرمة.
وخلال مسيرته العملية حصل على عدد من الدورات التخصصية في مجال العمل الأمني بالداخل والخارج، كما كلّف بعدد من المهمات الأمنية والقضايا الجنائية داخل المملكة وخارجها ومنها مشاركته في عمل تدريبي مشترك مع جهات أمنية في الشرطة السويسرية والمصرية والأمريكية في مجال المباحث الجنائية ومكافحة الجريمة، شارك في وضع الأسس لمناهج كلية الملك فهد الأمنية، كما شارك في عدد من المؤتمرات الدولية ممثلاً للمملكة العربية السعودية في عدد من الدول بأمريكا وفرنسا وفنزويلا وسويسرا وإيطاليا.
وطوال تلك المسيرة المشرِّفة كان للراحل تأثيره الاجتماعي والثقافي ونشاطه الأدبي وحضوره البارز من خلال مشاركته في كتابة المقالات الاجتماعية والمتخصصة بالصحف والمجلات المحلية، وصدر له أيضاً العديد من البحوث والدراسات والكتب المتخصصة ومنها كتاب التحقيقات الجنائية والدوريات بالاشتراك مع اللواء محمد الهلالي، وكتاب رجل الأمن والممارسة الإدارية، وكتاب الشريعة الإسلامية وأثرها في الظاهرة الإجرامية، وعدد من الكتب في المواضع والآثار والأنساب في الحجاز وشمال الحجاز، وغيرها من الكتب المخطوطة التي لم تطبع، وتتويجاً لمسيرته المميزة فقد حصل على عدد كبير من الأوسمة والأنواط العسكرية وخطابات الشكر والتقدير، كما حصل على كأس معالي مدير الأمن العام الفريق أول محمد الطيب التونسي على حسن الإدارة عام 1418هـ.
خلفت في الدنيا بياناً خالداً
وتركت أجيالاً من الأبناء
وغداً سيذكرك الزمان ولم يزل
للدهر إنصاف وحسن جزاء
ولا يسعني في الختام إلا أن أقدم خالص التعازي والمواساة لأسرة فقيد الوطن عائلة القثامي وأخص بالذكر منهم كلاً من شقيقه ورفيق دربه الأديب والمؤرّخ ورجل التعليم الأستاذ مناحي ضاوي القثامي وأبناء الفقيد كل من خالد، والدكتور أديب، وأحمد، وضاوي، والأستاذة هوازن، والأستاذة مها، والدكتورة منيرة، وأنسابهم الكرام، سائلاً المولى عزَّ وجلَّ أن يتغمد الفقيد بواسع رحمته ومغفرته وأن يلهم أبناءه وبناته وأحفاده وأسرته ومحبيه وأنسابه وعارفي فضله الصبر والرضا والسلوان و{إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.