مها محمد الشريف
بعدما اتفق قادة مجموعة الدول السبع الاقتصادية الكبرى على ضرورة تقليص الاعتماد على التجارة مع الصين والتصدي لما تسميه بالإكراه الاقتصادي الصيني، وضرورة التعاون معها نظراً إلى دورها العالمي وحجمها الاقتصادي، قد تكون مفارقة تقع بين الاحتواء والقمع.
علماً أنه أصبح من الصعب تحييد الصين لوزنها وتغلغلها بالاقتصاد العالمي، لذلك انتقل الغرب من فكرة تحييد الصين إلى التعامل معها، فهي مقرض ومستثمر بأسواقهم، وركيزة أساسية بسلاسل الإمداد العالمية، ودول المجموعة تبحث عن التوازن مع الصين وتقف موقفاً موحداً من «الإكراه الاقتصادي»، فهل الأمر يعبر عن تباين في الموقف؟.
لقد كان لقاء قادة مجموعة G7 قمة السبع تفرض عقوبات ضد روسيا وتتحرك تجارياً ضد الصين، وسط تحذيرات وتهديدات للصين وروسيا، والبيان الذي صدر في هيروشيما للقادة، دعا بكين إلى «الضغط على روسيا لتوقف عدوانها العسكري وسحب قواتها فوراً وبشكل كامل وغير مشروط من أوكرانيا»، فهل هذه المطالب تعجيزية وتشكل عاملاً هاماً في العلاقات مع الصين؟، أو أن بمقدور الصين القيام بهذه المهمة؟.
إلى جانب هذا كله، تسير الأهداف والغايات نحو القلق من الترسانة النووية التي تبنيها الصين، والتي تثير مخاوف الولايات المتحدة، فإذا استمرت الصين في زيادة مخزونها النووي بهذه الوتيرة سيبلغ مخزونها على الأرجح نحو 1500 رأس نووية بحلول عام 2035 وتزايد الانتشار النووي فإنه يزيد القلق ويزعزع بشكل أكبر الاستقرار في المنطقة، كما قيل.
ومن الصعب أن تفسر الأمر دون أن يبدو وكأنه مطالبات يجب تنفيذها، وخاصة بعد صعوبة التصرف بتوازن مع بكين، فاقتصاديات هذه الدول تعتمد على الصين بشكل لا يقبل الانفصال، مع هذا تتزايد المنافسة معها وكذلك الاختلافات حول العديد من القضايا، فإن أحداً لن يتمكن من التنبؤ بأي حال من الأحوال إعادة الصين إلى الخلف وتراجع دورها الكبير على خارطة العالم الاقتصادية.
وتدرك مجموعة الدول السبع أن التصرف بتوازن مع بكين ضرورة وليس اختياراً. فاقتصاديات هذه الدول تعتمد على الصين بشكل لا يقبل الانفصال، مع هذا تتزايد المنافسة معها وكذلك الاختلافات حول العديد من القضايا ومنها حقوق الإنسان، في نفس الوقت، يسعى العالم، وسيعمل على معالجة المخاوف المهمة من الصين في جميع من المجالات، فهل سينجح قادة السبع في احتواء روسيا والصين؟
بعدما بحثت في اليابان تشديد العقوبات على موسكو والعلاقات مع بكين، حيث تأمل في أن تنجح قمة هيروشيما في ربط المخاوف الأمنية لمجموعة السبع الكبار في منطقة المحيطين الهندي والهادي بمخاوف بقية الدول على نطاق أوروبا وحلف شمال الأطلسي (الناتو)، وربط رئيس الوزراء الياباني في كلمته القتال في أوكرانيا بتهديدات الصين ضد تايوان.
ومن بين التحذيرات في القمة، ذلك التحذير المبطن، والعقوبات التي ستفرضها من أي محاولات «تسليح» للتجارة وسلاسل التوريد، وقالت المجموعة في بيان لم تذكر فيه الصين بشكل مباشر إن «محاولات تسليح التبعيات الاقتصادية قد يؤدي إلى تشديد العقوبات، من هنا أبدت الصين استياءها الشديد من بيان قادة المجموعة ومن اليابان بصفتها رئيس المجموعة والبلد المستضيف مهاجمتها لبكين واستدعت سفير اليابان للاحتجاج على بيان قمة المجموعة.
وحذرت أيضاً من أن أي أقوال أو أفعال تضر مصالح بكين ستقابل «بإجراءات مضادة قوية وحازمة». في حال إطلاق مبادرة جديدة من قادة مجموعة السبع لمواجهة الإكراه الاقتصادي، في الحقيقة، تتابع الأحداث الراهنة يجعل الضرورة القصوى لقمة هيروشيما، أن تمهد الطريق للبيانات والاتفاقات ضد روسيا والصين، فقادة «السبع» يشددون العقوبات على روسيا ويسعون لتقليص التجارة مع الصين وتجاهل مكانتها كونها ثاني أكبر اقتصاد بالعالم وعضواً في مجموعة العشرين، وهذا يعرضها لكثير من الانتقادات.