خمسة وسبعون عاماً (15-5-1948 - 15-5-2023م) مرت على عمر النكبة الفلسطينية، والتي تجسدت في عام 15-05-1948م عندما أعلنت بريطانيا العظمى آنذاك نهاية انتدابها على فلسطين، وإعلان العصابات اليهودية قيام كيان الاغتصاب الصهيوني على أكثر من 78% من مساحة فلسطين، وما نتج عنه من تشريد وتهجير قسري لأكثر من 850 ألف نسمة من شعب فلسطين، وتحويلهم إلى لاجئين في مخيمات بقيت شاهدة إلى اليوم على جريمة العصر وعلى أكبر جريمة إنسانية شهدتها المنطقة، والتي مثلت زلزالاً لا زالت هزاته الارتدادية تعصف بالمنطقة، ففلسطين مركز هذا الزلزال المدمر الذي لم يهدأ، ولن يهدأ، ولن تهدأ المنطقة معه، إلى أن تنتهي وتزول كافة آثار الزلزال المركزي الذي ضرب فلسطين في الخامس عشر من أيار للعام 1948م، فهل يدرك العالم أجمع هذه الحقيقة؟!
لقد أنتجت مؤسسة سيدة الأرض الفلسطينية ومركز التراث الفلسطيني في تونس الشقيقة الذكرى 75 للنكبة هذا العام بشكل وأسلوب مميزين حيث أنتجا فيلماً وثائقياً وروائياً بتقنية ثلاثية الأبعاد (تقنية الهيلوغرام وتقنية الفار) لينقل هذا العمل المميز النكبة ووقائعها للمشاهد على طبيعتها وحقائقها، مدعومة بالوقائع والأرقام وبرواية شهود العيان ممن عاصروا النكبة وعاشوا أحداثها ووقائعها، كما حدثت في حينه، مظهراً حياة الشعب الفلسطيني الهادئة والهانئة قبل النكبة، وكيف آلت وأصبحت بعد النكبة، على يد عصابات الإجرام والاغتصاب والتي أدت إلى بعض النتائج في ما يلي:
فقد سيطرت العصابات اليهودية على 774 قرية ومدينة فلسطينية دمرت منها تدميراً كاملاً 531 قرية كان يسكنها أكثر من 807 ألف نسمة، تتوزع على أربعة عشر قضاء، وقد اقترفت حسب بعض المصادر التاريخية مئة وعشر مجزرة في حق سكان هذه القرى والمدن، وهناك سبعون مجزرة منها موثقة ومثبتة بالصور والإفادات.. كان ضحيتها أكثر من خمسة عشر ألف إنسان قد قتلوا ودفن بعض منهم في مقابر جماعية، كما قد جرت عملية تطهير عرقي لـ 1305 قرية ومدينة تم تشريد أهلها واقتلاع سكانها...
اليوم وبعد مرور خمسة وسبعين عاماً على النكبة، يعيش في فلسطين المحتلة عام 1948 سبعة ملايين و145 ألف مستوطن يهودي و534 ألف مستوطن من جنسيات أخرى غير يهود .. كما يوجد مليونان و48 ألف فلسطيني من الذين تمكنوا من الصمود في قراهم ومدنهم .. وذلك حسب مكتب الإحصاء الصهيوني لعام 2023.
النكبة ونتائجها بقيت متواصلة إلى اليوم حيث من أخطر نتائجها وجود 6.6 مليون لاجئ فلسطيني من المسجلين لدى وكالة غوث وتشغيل اللاجئين..، أكثر من مئة ألف شهيد ارتقى من الشعب الفلسطيني بسب مواصلة العدوان المستمر على الشعب الفلسطيني داخل فلسطين وخارجها، ومنذ عام 1967م إلى الآن تعرض الفلسطينيون لأكثر من مليون ونصف حالة اعتقال، ويوجد في القدس والضفة الغربية 471 موقعاً استيطانياً وعسكرياً... ويستمر العدوان الصهيوني يومياً على القرى والمدن والمخيمات في الضفة الغربية وفي قطاع غزة موقعاً القتلى والجرحى بين الفلسطينيين إضافة إلى القيام باعتقال العشرات من قبل السلطات الاحتلالية والزج بهم في سجونها المظلمة..!
هذا الفيلم الذي أعدته مؤسسة سيدة الأرض بالتعاون مع مؤسسة التراث الفلسطيني في تونس الشقيقة تحت إشراف الأخ الدكتور كمال الحسيني رئيس مؤسسة سيدة الأرض والذي تم إطلاقه في مؤتمر صحفي هام في مدينة تونس صباح يوم الاثنين 15-5-2023 بحضور إعلامي محلي وعربي ودولي وبمشاركة الفنان العربي المصري الكبير الأستاذ محمد صبحي..
ليعرض هذا الفيلم بعد ذلك في مختلف المسارح العربية والدولية لنقل حقائق النكبة الفلسطينية إلى المشاهد كما وقعت وحصلت وينقل المشاهد إلى أرض الواقع في قرى ومدن ومخيمات فلسطين.
وبهذه المناسبة الأليمة التي تحل علينا ذكراها الخامسة والسبعون نقول:
إن وهم الأمن والاستقرار والسلام في المنطقة، مع استمرار آثار النكبة الفلسطينية، تكذبه أحداث المنطقة، وأحداث فلسطين، إن وهم تبديد الشعب الفلسطيني وتذويبه، وتبديد الوطن الفلسطيني وتزويره، وَهمٌ وفريةٌ وكذبةٌ كبرى تضافُ إلى سجل الأساطير والأكاذيب الاستعمارية الاستيطانية، التي تسعى جاهدة منذ أكثر من قرن من الزمن، ومنذ خمسة وسبعين عاماً على قيام كيان الاغتصاب، لتمريرها وتثبيتها بشتى وسائل العنف والقتل والبطش والإرهاب والتزوير...
إن فلسطين الوطن وفلسطين الشعب، حقيقتان ماثلتان للعيان، لن يستكين شعب فلسطين، ولن تهدأ أو تستسلم أرض فلسطين، لكل عوامل القوة الغاشمة، الناعمة والخشنة، في محو الحقيقة التاريخية أو الاجتماعية، أوالحقيقة السياسية والقانونية التي استطاع كفاح الشعب الفلسطيني وصموده العنيد والأسطوري من تسطيرها وتجسيدها في هذه المواجهة التاريخية مع إسرائيل، فالشعب الفلسطيني ليس كماً بشرياً زائداً عن حاجة المنطقة وحاجة العالم، إنه حقيقة إنسانية وسياسية وقانونية وتاريخية موجودة ولها حقوقها المشروعة، شأنها شأن شعوب العالم أجمع، كما أن الاستعمار والاحتلال لفلسطين حقيقة استعمارية احتلالية عنصرية استيطانية، حتماً زائلة، لأنها تمثل آخر مخلفات الاستعمار والنظام الدولي القديم.. والذي يتعارض مع روح العصر، ومع روح التغيير، التي تجتاح العالم... شعب فلسطين في ذكرى النكبة وفي كل يوم يؤكد دائماً بيانه، وموقفه الثابت وعزمه المتجدد على نيل مطالبه المشروعة في وطنه، والتي باتت تحظى بتأييد شعوب العالم ودوله، وبات كيان الاغتصاب أكثر عزلة وحصاراً...
النكبة الفلسطينية لن ولم تمت، حتى نعمل على إحيائها، إنها حية في قلوب وعقول أبناء شعب فلسطين، وفي عقول وقلوب جميع الأحرار في العالم، الذين يرفضون الظلم، ويعارضون الاستعمار والاحتلال والتمييز العنصري تلك صفات كيان الاغتصاب الإسرائيلي..
لن تشهد فلسطين الأمن والاستقرار والسلام، ما لم يتم إزالة ومحو آثار النكبة.