د.أمل بنت محمد التميمي
تشرّفت بالمشاركة ببحث عنوانه (مسرح الطفل في مقررات الجامعات العربية: والمأمول في السعودية)، وهي دراسة تقع فيما يقارب سبعين صفحة مقدمة للمشاركة في الملتقى الثقافي لجودة الإنتاج الفني الذي يقيمه نادي الكتاب والمؤلفين برعاية ودعم من هيئة المسرح والفنون الأدائية في مركز الملك سلمان الاجتماعي - قاعة الأمير سعود بن ثنيان. يوم الأحد 28-5-2023م الموافق 8 ذو القعدة 1444هـ.
الورقة التي ألقيها في حضرة أهل الشغف المسرحي والاختصاص والفن والإنتاج، وكثير منهم يشاركني الهم والشغف في كتابة (نص مسرحي) ذي جودة فنية، ويعالج قضية (ما) ويمكن تنفيذه بدون معوقات أو تحديات.
وفي البدء، شرحت للحضور سبب اهتمامي بالمسرح، فمن المعروف عني أنني باحثة متخصصة في السيرة، فما علاقتي بالمسرح؟ فتمنيت أني أستطيع تقديم إجابة مفصلة، ولكني اكتفيت في الملتقى بإلقاء إجابة مختصرة مفادها أنني أستاذة جامعية تهتم بتوظيف المسرح في التدريس الجامعي باجتهاد شخصي. وفي هذه المقالة يمكنني التوسع في الحديث وشرح التفاصيل، فقد أثار مصطلح (التشطير المسرحي) الذي طرحته في مقدمة حديثي كثيرا من الحاضرين. فعلاقتي بالمسرح هي حصيلة ممارسة وتنظير بحثي، فقد استطعت من خلال المسرح معالجة كثير من الإشكاليات وكذلك تفجير الطاقات الإبداعية في الطالبات، وكما أن الأب في البيت، هو قوام الأسرة، كذلك المسرح في التدريس، فهو قوام الإبداع في العملية التدريسية. كنا في مرحلة سابقة نمارس توظيف المسرح في التدريس الجامعي من باب الاجتهاد الشخصي والشغف، ونقوي مهاراتنا بالدورات والقراءة دون تأسيس أكاديمي، ومنذ بدأت رؤية السعودية 2030 بالاهتمام بالفنون، وأسست وزارة الثقافة الفتية هيئة المسرح والفنون الأدائية، بدأ الشغف يتحول إلى اهتمام أكاديمي قائم على أسس علمية ومعايير أكاديمية، فبدأت انضم إلى دورات في جامعة هارفارد وأكسفورد، ووقفت على تجارب عالمية مبدعة في صناعة محتوى مسرحي له هوية خاصة، ثم تحول الاهتمام بالمهارات إلى كيفية وضع هوية للمسرح السعودي. فمن خلال البحث وإمعان النظر، وجدت أن إشكالية (أبو الفنون) ليست إشكالية سعودية بل هي إشكالية عالمية، فهناك تراجع عام للمسرح مقارنة بالسابق، فهو شغف الأقلية رغم الاهتمام به على مستوى المهرجانات والمؤسسات.
وحينما نمعن النظر في المبادرة التي أطلقتها هيئة المسرح والفنون الأدائية برعاية (المسرح المدرسي) التي تستهدف جمهورا كبيرا من المعلمين والمعلمات، نشعر أننا بدأنا مرحلة جديدة للمسرح في السعودية، وجعلنا الشغف الشخصي يتحول إلى واقع مأمول، وأننا إذا بدأنا بتأسيس مقرر (مسرح الطفل) بمعايير أكاديمية سنصنع جودة للمسرح السعودي برؤية خاصة جدا جدا، نبدأ فيها من المرحلة الصفرية بتعاون المؤسسة التعليمية بالجامعات مع هيئة المسرح والفنون الأدائية.
البحث الذي قمت به هو نتاج خبرة ميدانية في توظيف المسرح في التدريس الجامعي باجتهاد شخصي مني بدأ في 13 ربيع الأول 1436 هـ وانطلق هذا النشاط تحت مسمى (ذوات) وبمسرحية عنوانها (خبو المكائن)، وقد كانت هذه المسرحية تحت إشراف الكاتب المسرحي المرموق أ. فهد ردة الحارثي، وكانت طريقة كتابة هذه المسرحية بالتشطير المسرحي وبمساهمة فريق من الطالبات والأساتذة في الكتابة، سعيا إلى إيجاد منتج مسرحي فني عالي الجودة في كتابة النص، وبعدها في إخراجه.
إن (التشطير) هو مصطلح معروف في الشعر، والمقصود به أن يعمد الشاعر إلى قصيدة مشهورة لغيره ويقسم أبياتها إلى شطرين ويضيف إلى كل منهما شطراً من عنده. والمقصود بتشطير المسرحية هو مصطلح من ابتكاري لم يستخدمه أحداً غيري من قبل في حدود علمي، والمقصود به أن أشرح فكرة النص المسرحي على الطالبات وأربط بين مفردات المنهج والفكرة الإبداعية، ثم أكتب الأفكار الأساسية التي شرحتها بطريقة السيناريو المسرحي ثم أترك المجال للطالبات لكي يكتبن أفكارهن ثم أضمنه نصي ونصوص أخرى لمتدربين في حقل الكتابة، على أن تكون النصوص الأخرى خادمة للفكرة الرئيسية في المسرحية الأساسية، والتشطير يحافظ على المشهد الأول في المسرحية، ويسمح لنا أن نضيف في المشاهد، وفي الشخصيات ونغير في النهاية.
وبدأت فكرة التشطير، بتشطير مسرحية (شروق مريم) للكاتب المسرحي فهد ردة الحارثي، ومن محسنات التشطير المسرحي في تصوري أنه يسمح بتأليف نص مسرحي جديد يرتقي نوعاً ما إلى النصوص الفنية في هذا المجال أو قريبا منها مع المحافظة على حقوق الكاتب المسرحي الأصلي، وكذلك حق كل من يضيف إلى النص بحيث يسمح بقيام فريق عمل للكتابة، بالإضافة إلى أنه يسمح بنمو النص الأصلي برؤى جديدة وأسلوب جديد، فهو يخدم المدرب أو الأستاذ الجامعي في حقل التعلم النشط. وبعدما نجحت التجربة الأولى في تشطير مسرحية (خبو المكائن)، والتجربة الثانية بمسرحية (الرقعة والبيدق)، تتابعت الأعمال المسرحية بطريقة (التشطير المسرحي) حتى بلغت ما يقارب عشر مسرحيات، منها: مسرحية (بكاء الخنساوات)، ومسرحية (مملكة الطين)، ومسرحية (عقدة أديب) مع مقرر مقدمة في المسرح، ومسرحية (إخوان نورة) ... إلخ وجميعها تحت إشراف الأستاذ فهد ردة الحارثي، وبإسهام من بعض الزملاء والزميلات بنص أو بأبيات شعرية مثل الدكتور معجب العدواني، والدكتور صالح معيض الغامدي، والدكتورة مستورة العرابي.
الجميل في تنفيذ (التشطير المسرحي) أننا كنا نوثق مخرجات تلك الورش في كتيبات حتى يسهل شرح الفكرة، وكيفية الكتابة، ومراحل التنفيذ، بل وحتى صور العرض الأخيرة. وهذه المسرحيات والكتيبات أسهمت في تعزيز الطالبات وإكسابهن مهارات في كتابة المحتوى وكذلك ساعدت على إيجاد فرص وظيفية في سوق العمل بسبب وجود ما يثبت مشاركة الطالبة في صناعة المحتوى والأداء.
والجميل في الحوارات الجانبية للملتقى الثقافي للكتاب والمؤلفين لجودة الإنتاج الفني الواقع والمأمول، أننا تركنا موضوع الورقة الأساسية إلى فكرة التشطير المسرحي التي وعدت الزملاء والزميلات بنشر ما كتبته عنه وأحلتهم إلى بعض الكتيبات المنشورة في محرك البحث (جوجل). وها أنا أفي بما وعدت، وسأنشر كل الأعمال المسرحية بطريقة التشطير المسرحي في كتاب بإذن الله بوصفها نموذجا للمحاكاة. ونشكر القائمين على الملتقى بما فيهم الدكتور محمد الطياش.
ونعود إلى موضوع الورقة التي شاركت بها، وهي كذلك حول مسرح الطفل في مقررات الجامعات العربية والمأمول في السعودية. وفيها نحاول تتبع مقرر مسرح الطفل في توصيفات برامج الجامعات العربية. كما نحاول أن نعرف الكليات والأقسام الأكاديمية التي تهتم بإدراجه في برامجها، مستعينين في ذلك بالمواقع الإلكترونية للجامعات.
يضم العالم العربي اثنين وعشرين دولة ولكن للأسف لا تعكس توصيفات المقررات فيها واقع مسرح الطفل في العالم العربي، وقد أغفلت المؤسسات التعليمية الجودة المهنية والعلمية والتجارب العربية التي حققت نجاحات في مسرح الطفل. كما تبين أن هذه المقررات لا تعكس الواقع. وهناك ضرورة ملحة لتأسيس مسرح طفل يكون من مخرجات أكاديمية، فمن المؤكد أن تأسيس مسرح طفل بطريقة تشريعية ومنظمة أفضل بكثير من مجرد وجود مسرح للهواة فقط.
وفي دراسة المصفوفة العربية لمقرر مسرح الطفل نجد للأسف أن الأقسام التي تمنح الدرجات العلمية على دراسات بحثية عن مسرح الطفل، مثل قسم اللغة العربية وآدابها ليس ضمن الخطة الدراسية مقرر مسرح الطفل، ولا تطبق المسرح المدرسي، أو تعرض مسرحيات لمسرح الطفل، فهي مهتمة فقط بالجانب التنظيري والدراسات الأكاديمية دون التطبيق، فلا يوجد عروض مسرحية، بشرية أو عرائس أو أي تدريب في المدارس. وهذا هو المطلوب من أقسام اللغة العربية تخريج كتّاب محتوى عالي الجودة بتأسيس أكاديمي.
ويدرّس مسرح الطفل في مقررات الجامعات العربية على النحو التالي:
أولا: مقرر مسرح الطفل في مرحلة البكالوريوس.
ثانيا: مقرر (مسرح الطفل) في برنامج الدراسات العليا والدبلومات.
ولكن للأسف يدرس في أقسام رياض الأطفال والتربية، ولا يدرس في أقسام اللغة العربية وآدابها، وتحتاج هذه النقطة إلى أبحاث تؤسس لمعلومات عن جهود الدول العربية في هذا المجال وتسد العجز والقصور. ولتوضيح مدى اهتمام الوزارات والمؤسسات التعليمية بهذه اللبنة المهمة في بناء المجتمع، ونظرا لما يتضمنه مسرح الطفل من قيم اجتماعية وأخلاقية وجمالية، فالمأمول من هذا الملتقى أن تتضمن توصياته إدراج مسمى مقرر (مسرح الطفل) في الأقسام التعليمية في الجامعات وفي أقسام اللغة العربية وآدابها بحيث يكون مقررا إلزاميا، ومتابعة الجانب التنظيري بالتدريب في مدارس التعليم العام، تحت إشراف ورعاية، ومراجعة لجنة الخطط إضافة هذا المقرر. إضافة إلى وضع مقرر (مسرح الطفل) في مسارات بعض الأقسام اختيارا ضمن برامج تخصصات تهتم بالنواحي التاريخية والتحليلية والفنية، بالإضافة إلى التركيز على الجوانب الأدائية والصناعية التي يحتاجها متخصص اللغة العربية وآدابها. وتكون هذه المقررات مشتركة ما بين عدة تخصصات مثل اللغة العربية والفنون والتربية وعلم النفس. والطب والتربية والقانون والإعلام، بالإضافة إلى كلية الفنون التي تتابع النصوص في الأداء والتنفيذ.
لقد أسفرت نتائج بعض الدراسات عن تأكيد دور الدراما المسرحية في دعم الانتماء الوطني؛ لذلك نؤكد على أهمية تدريس مقرر مسرح الطفل في المقررات الدراسية لطلاب الجامعات والمدارس والروضات كونه يدعم الانتماء الوطني، ويعزز استخدام اللغة العربية الفصيحة في مسرح الطفل، ويساعد مسرح الطفل على دعم السلوکيات المجتمعية الإيجابية لدى الطفل وترسيخها. كما يعد المسرح متنفسا للطفل ويساعد على تقوية شخصيته وتحقيق ميوله وحاجاته النفسية ومعالجة مشكلاتها. وتسهم فعالية مسرح الطفل في خفض القلق واكتشاف الموهبة لدى الطفل منذ مرحلة الروضة.
في الختام، فإن المأمول هو تدريس مقرر (مسرح الطفل) منذ مرحلة الطفولة المبكرة، بمخرجات أكاديمية متخصصة تعي احتياجات كل مرحلة ومتطلباتها، وإنشاء فرق مسرحية بشراكات متعددة بين وزارة التعليم، ووزارة الثقافة، وهيئة الترفيه ممثلة بـ(هيئة المسرح والفنون الأدائية) ويكون دور هذه الشراكة هو دعم العروض المسرحية، وتفعيل دور مسرح الطفل التربوي بطريقة تشريعية منظمة وتنفيذية تشرف عليها هيئات ووزارات وبدعم أكاديمي.
فلدينا أمل في بناء أجيال قادمة تهتم بالمسرح ويكون هو شغفها وتخصصها، وفي إنشاء مسارح في الجامعات مجهزة بأحدث التقنيات، وقاعات للتدريب المسرحي في المدارس، لتدعم العروض المسرحية ومخرجات التعلم في المدارس والجامعات، وتضع أنظمة لعروض المخرجات سنويا بالتنسيق مع وزارة التعليم ووزارة الثقافة.
والآمال كبيرة في مجال التطوير والتجديد، لذا نقترح في هذه الدراسة إطلاق قناة (مسرح) تغذى بالمتطلبات التدريبية والنصوص التي تكون نماذج أو مخرجات عالية الجودة، وكذلك تأليف مجمع (اتحاد مسرح الطفل العربي)، ويكون من مهام مجمع هذا الاتحاد تيسير تعليم المسرح للأطفال، وللمعلمين، ولأعضاء هيئة التدريس، ومتابعة التزام الحكومات بدعم مسرح الطفل في المؤسسات التعليمية والجامعات. ويكون لمجمع (اتحاد مسرح الطفل) مقرات، وجوائز في مجالات متعددة على مستوى النص والتمثيل والإخراج والسينوغرافيا والمؤسسة التعليمية، وإنشاء المسارح وتجهيزها وتفعيل دورها. كما نأمل في تشكيل بيت خبرة عربي يهتم بكتابة النص المسرحي للطفل، وبطرق إخراجه وأدائه.
سعدت كثيرا بالمشاركة وننتظر تطبيق المأمول قريبا فالجهود مبذولة وتقفز قفزات كبيرة في تحقيق المأمول. ننتظر من مستشار وزير الثقافة سلطان البازعي الرئيس التنفيذي لهيئة المسرح والفنون الأدائية في السعودية تنفيذ ورش التشطير المسرحي، وتدريس مقرر مسرح الطفل بتوجيه من سمو وزير الثقافة صاحب السمو الأمير بدر بن عبدالله بن فرحان اللذان يدعمان رؤية صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود بإنجازات تفوق المأمول.
** **
- استاذة بجامعة الملك سعود