سلمان بن محمد العُمري
لا شك في أن أبناء الجيل الحالي من الأطفال والناشئة وفي معظم المجتمعات يعيشون في الغالب حياة معيشية كريمة من حيث المأكل والمشرب والمنزل والمنام والملبس والأساليب العصرية في التعليم، يزيد عليها الترفيه الشامل في كل وقت، وهم اليوم في حال يفوق وبمراحل أحوال أطفال الأمس فقد توافر لهم من القدرات والإمكانات ما لم يتوفر للأجيال الماضية.
وعلى الرغم من ما سخّر لهم من الوسائط والطرق التربوية والحياة المعيشية والبيئة التعليمية، التي تهدف إلى تنمية معارف الناشئة وتوسيع مداركهم، حيث يتلقون دراستهم في المدارس العصرية، إلا أن ثمة أموراً كبيرة ومهمة يفتقدها أبناء هذا الجيل، ولم تستطع التقنية ولا الوسائل الوفاء بها ألا وهي تعزيز القيم، ومما نخشاه أن ينشأ الجيل الجديد وتكون أنظاره قد اعتادت على القيم السلبية دون الإيجابية، فهي الماثلة والحاضرة أمامه ليس في البرامج والألعاب، بل حتى في ما يراه عياناً في المجتمع ومن أقرب الناس إليه سواء من الوالدين أو من المربين الآخرين (المعلمين والمعلمات).
رؤية المملكة 2030 لم تغفل دور الأسرة في تعزيز القيم، حيث تشير: «الأسرة هي نواة المجتمع، حيث إنها تمثِّل الحاضنة الأولى للأبناء، والراعي الرئيس لاحتياجاتهم، والحامي للمجتمع من التفكك، ولعل من أبرز ما يميز مجتمعنا التزامه بالمبادئ والقيم الإسلامية، وقوة روابطه الأسرية وامتدادها، مما يحثنا على تزويد الأسرة بعوامل النجاح اللازمة لتمكينها من رعاية أبنائها»، كما تؤكد الرؤية على ذلك من خلال ترسيخ القيم الإيجابية في شخصيات الأبناء عن طريق تطوير المنظومة التعليمية والتربوية بجميع مكوناتها.
جيل الأمس كان يقتصر في مصادر معرفته وتلقيه على بيته وأهل الحي والمدرسة واللقاءات العائلية وبعض برامج التلفاز، ولكن اليوم الوضع اختلف للغاية، فالجيل الحالي تغيَّرت مصادر معرفتهم وتلقيهم لكثرة ما يمارسونه من ألعاب إلكترونية ويشاهدونه من أفلام ومسلسلات لا تأخذهم إلى الطريق الأمثل الذي نحرص على جعلهم فيه، بل إلى طرق معوجة ومفاهيم مخالفة لعقيدتنا وديننا ومبادئنا، وهذا الأمر يشتكي منه حتى الغرب بأنفسهم، وهم يخشون على مستقبلهم من الويلات والأخطار، وظاهرة المثلية الجنسية وتهوينها في المجتمعات الغربية ووضعها الآن أقرب شاهد على خطورة الوضع ومسببات القلق، وما يشاهده الطفل على الشاشة الصغيرة أو الكبيرة يشده إليها بوثاق قوي ليس في وسع الآباء مهما استعملوا من قوة تخليصهم منه، لأن الطفل لا يعلم الحدود الدقيقة بين الحلال والحرام وبين الخيال والواقع، وإهمال الأطفال في أي مجتمع ستكون له نتائج سلبية مستقبلاً، لا ولن تكون منحصرة ومخصوصة في مجتمع أو بلد معين، بل قد يستطير شرها إلى بلدان وأمم أخرى في العالم.
ولذا فنحن أمام مسؤوليتين عظيمتين وأولاهما للأم والأب في تحصين أبنائهما من أجهزة الحواسيب الشخصية المحمولة أو الثابتة والتقليل ما أمكن من استخدامها، والمتابعة والمراقبة لهم فيما يختارونه من ألعاب وبرامج وأفلام وتقنين مواعيد استخدامها، وقبل ذلك التأسيس المبارك للأبناء عبر التربية الشخصية لسلوك الطفل تطبيقاً وتأسياً بوالديهم بسلوكهم الماثل أمامهم أولاً ثم بالإرشاد والتوجيه اللطيف ترغيباً وترهيباً، ولا ننسى مقومين تربويين نحن وأطفالنا بحاجة إليهما دائماً وهما الصلاة ودوام الذكر وقراءة القرآن الكريم فهما البناء المتين والحصن الحصين للحياة السعيدة الكريمة في كل وقت، وينبغي أن يستأنس بهم الأطفال منذ طفولتهم حتى يستأنس بهما ويألفهما قبل البلوغ ولا يكاد يصل إلى مرحلة التكليف، حتى يشعر بالإقبال عليهما عقلاً وديناً ووجداناً، وأن تكون مبنية على حبهما والتعلق بهما، ومن شب على شيءٍ شاب عليه. المسؤولية العظيمة الثانية هي على المعنيين بالدراسات والبحوث في مجال علم الاجتماع والطفولة بأن يتابعوا عن كثب التحولات المجتمعية والسلوكية الجديدة في مجتمعاتنا وآثارها الدينية والاجتماعية وآثارها السلبية وأن لا تقتصر هذه الجهود على العمل الفردي، بل إن يكون هذا العمل في إطار عمل مؤسسي منظم وتتولاه جهات معتبرة لضمان حياة كريمة سعيدة لأجيالنا القادمة.