د. هيا بنت عبدالرحمن السمهري
تتصدَّر الصحافة المكونات الثقافية للمجتمعات في كل بلاد العالم المتحضرة، ولها كذلك نصيب وافر في رصد وجيب سياسة البلدان ومنهجها؛ فهي من كواشف الحضارة والفكر؛ وهي أيضاً خارطة ملأى بالتاريخ اليومي للشعوب، وهي من يحمل لواء التفاعل الأول مع أحداث الحياة والكون، كما أن الصَّحافة تفاعل ثقافي متاح للعامة والخاصة ليس من دونها حجاب، وإن كانت كيانات منها ذات جذر تجاري لأن تأسيسها تشكِّل من مجموعات من التنويريين أفراداً ومؤسسات الذين رأوا في تأسيسها نافذة تبث التحضّر في رواق المجتمعات وصولاً إلى المدنية؛ وما زالت الصحافة بقوالبها العتيقة العريقة وقوالبها المحدثة سلطة ثقافية حافزة قافزة تسكنها المعرفة المنتقاة والملتقطة والمنقولة.
رحم الله سادن الصحافة من جيل الرواد الشيخ عبدالله بن خميس الذي يقول:
صدقوا ومأثور الهُداة هباتُها
قالوا صحافة أمة مرآتها
فيها تكون عيونها مجلوةً
وتكون في طياتها حسناتُها
ذات الجلالة ما تسامتْ سلطة
إلا وفوق سموها سُلطاته
ولقد كان للصحافة بشكلها المتسامي الوقور الصادق بث صادق شجِنٌ شفاف في حاضرها القريب من جملة من ذوي الفكر حينما دخلتْ الصّحافة الورقية في مفاضلة لم تحسم مع التقنية، حيث سادت الصَّحافة منذ أديم الجلد إلى حاضرها اليوم، فكتب من كتب عن واقع الصحافة اليوم؛ فأجملوا وفصَّلوا في واقع المؤسسات الصحفية في بلادنا التي أشرعت أبوابها للتنوير منذ ما ُيقارب القرن من الزمن؛ ومنذ مطالع الوعي المجتمعي السعودي، ولقد ألهب ذلك البث أوساط الإعلام، وأخذ الرأي العام حزمة عريضة من التداول والنقاش لأن القضية في نظري وطنية مباشرة؛ وفيها صور من واقع المؤسسات الصحفية اليوم.
وحسْبُنا أن صناديق الصحافة في بلادنا ملأى بالشدو والفكر وترياق الكلمات وصولات الرأي وجولاته والمواقف الثابتة مع منعطفات الأحداث حتى تبدّتْ صفحات بيضاء في آفاق الوطن! فحين يتحدثون عن عراقة الصحافة السعودية كمنبر إعلامي خلاّق فلأنها صنعتْ نقاط ضوء وما زالت ترقى إلى مسؤولية الكلمة؛ وإلى سقف عال من الصدق فكسبتْ في عهودها ثقة القراء ومتانة السبق الصحفي، واحتضنت من المساحات البيضاء لصياغة أخبار التنمية الوطنية، وإبراز شواهد بلادنا في مواسمها، وما كانت مواسمنا إلا شاهد عدل من شواهد صحافتنا المضيئة كما احتضنت صحافتنا وثائق مؤثِّرة من صياغات الدفاع عن بلادنا والردود على من جنح عن صواب الفعل والقول؛ وهي مصدر صدوق وثيق لوسائل الإعلام العالمية تتواتر عنها مواقف بلادنا تجاه أحداث العالم اليوم فهي تسهم في بلورة الرأي العام العالمي بما حققته من مكانة وقوة ومصداقية؛ وبما أتاحت لها حكومتنا الغالية من مساحات حرَّة في النشر المتين.
ولأن وطننا اليوم يحتاج إلى كل المنابر الإعلامية النزيهة التي تُجلّي عن حضارة بلادنا التي انفلقت حديثاً، وعن حراك سياسي سعودي استثنائي يجوب العالم؛ ولأن قوة الإعلام تراكمية وليست تنافساً لسلب الآخر؛ ولأن التنوّع في الشكل الإعلامي وتعاضد منصاته جزء مما يدعم معالم بلادنا وتاريخها وهويتها فلعل وزارة الإعلام تفرد منصة كبرى ضمن هيكلها لدعم الصَّحافة في قوالبها المختلفة وأن تطلق الوزارة معرضاً سنوياً للصحافة ومنجزها التنموي يأخذ في دعمه وجوائزه وفعالياته المصاحبة ما تأخذه معارض الكتاب، وأن ينطلق تقييم الكيانات الصحفية الجديدة من تلك المعارض في حال إقرارها،،،
«صونوا لذات الكبرياء جلالها
ولتبق في ذات السمو سماتُها»