سارا القرني
أخْرَجَ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ في «المُصَنَّفِ»، وابْنُ مَنِيعٍ، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، والحاكِمُ وصَحَّحَهُ، والبَيْهَقِيُّ في «سُنَنِهِ» في تفسير قول الله سبحانه {وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ}، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: لَمّا فَرَغَ إبْراهِيمُ مِن بِناءِ البَيْتِ قالَ: رَبِّ، قَدْ فَرَغْتُ، فَقالَ: أذِّنْ في النّاسِ بِالحَجِّ. قالَ: رَبِّ وما يَبْلُغُ صَوْتِي؟ قالَ: أذِّنْ وعَلَيَّ البَلاغُ. قالَ: رَبِّ كَيْفَ أقُولُ؟ قالَ: يا أيُّها النّاسُ، كُتِبَ عَلَيْكُمُ الحَجُّ إلى البَيْتِ العَتِيقِ. فَسَمِعَهُ مَن بَيْنَ السَّماءِ والأرْضِ، ألا تَرى أنَّهم يَجِيئُونَ مِن أقْصى الأرْضِ يُلَبُّونَ.
وعَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: لَمّا بَنى إبْراهِيمُ البَيْتَ أوْحى اللَّهُ إلَيْهِ أنْ أذِّنْ في النّاسِ بِالحَجِّ، فَقالَ: ألا إنَّ رَبَّكم قَدِ اتَّخَذَ بَيْتًا وأمَرَكم أنْ تَحُجُّوهُ، فاسْتَجابَ لَهُ ما سَمِعَهُ مِن حَجَرٍ أوْ شَجَرٍ أوْ أكَمَةٍ أوْ تُرابٍ أوْ شَيْءٍ، فَقالُوا: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ.
ابتدأ موسم الحج وابتدأت ضيوف الرحمن بالقدوم رجالاً ونساءً، وابتدأ التخطيط والتجهيز لاستقبالهم كما يليق بهم.. وبما يليق بسمعة هذه البلاد الطاهرة، ولأنني لستُ بعيدةً عن مكة.. فحالي كحال الكثيرين حولي الذين يرون الاستنفار العام على الطرقات والترتيبات التي لا تخفى على عين وتسرّ القريب والبعيد، لكنّ هذا كله ليس سوى الأمتار الأخيرة من المسافة كلها، فطريق مكة لا يبتدئ من حدودها.. بل من كل دولةٍ يوجدُ بها رجلٌ أو امرأةٌ ينوي الحج، لتبدأ حكايتهم مع هذه المبادرة الأكثر من رائعة وعبقرية!
تحديداً في العام 2017م وبما يخدم رؤية المملكة 2030.. بدأت مبادرة طريق مكة وهي خدمة ذات جودة عالية جداً لضيوف الرحمن المستفيدين منها، حيث تبدأ مراحل إنهاء إجراءات دخولهم للمملكة قبل إقلاع طائراتهم من بلدانهم، إذ تُصدَر لهم التأشيرات الإلكترونية وتُؤخذ الخصائص الحيوية، مروراً بإنهاء إجراءات الجوازات في مطاراتهم، والأهم.. هو ترتيب وفرز أمتعتهم بآليات وطرق مخصصة تسهل عملية نقلها من مطار الوصول إلى مقرات سكنهم في المملكة دون أن ينتظروا حقائبهم أو يتكدسوا في المطارات أو حتى يقفوا في طوابير الإجراءات الأمنية والجوازات، هكذا ببساطة.. لا تحمل أمتعة، لا تنتظر ولا تفكر في كلّ الإجراءات! ورغم توقف مبادرة طريق مكة بسبب الجائحة.. إلا أنها تعودُ للمرة الرابعة بشكلٍ أوسع، حيث زادت عدد الدول المستفيدة منها، واستفادَ من المبادرة حتى الآن ما يقارب 400 ألف حاج، بتكاتف جهات وضعت ثقلها لخدمة ضيوف الرحمن، ابتداءً من وزارة الداخلية التي أطلقت الخدمة ومروراً بوزارات الخارجية والصحة والحج والعمرة وبمشاركة من الجوازات السعودية وعدد من الهيئات كالهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي «سدايا» والهيئة العامة للطيران المدني وهيئة الزكاة والضريبة والجمارك وغيرها من الجهات والبرامج الوطنية المختلفة. كنتُ قد بدأتُ مقالي بتفسير ابن عباس للآية الكريمة.. وقد استوقفني منذ زمن سؤال أبينا إبراهيم عليه السلام لله حين أمرهُ أن يؤذّن في الناس بالحجّ، فقال «ربِّ وما يبلغُ صوتي»؟ ليجيبهُ سبحانهُ وتعالى بعظيم قدرته فيقول «أذّنْ وعليّ البلاغ»! وإنّ اللهَ إذا تكفّلَ بأمرٍ سخّرَ لهُ كلّ شيء حتى يتمّ، فإذا تواضعت الجبالُ لإبراهيم كي يبلغَ صوته أقصى الأرض وأعماق البحار، ستتواضع كلّ الإمكانيات بأمر اللهِ كي يحجّ لبيتهِ من قال «لبّيكَ اللهمّ لبيك» ليأتوا من كلّ فجٍ عميق.. وتصير كلّ الطرقِ تؤدي إلى مكة، أما المبادرة فليست إلا بعضاً من توفيق اللهِ كي يبلغ أمرهُ ما شاء أن يبلغ، وإني واللهِ كغيري فخورةٌ بما يقدّمه وطني وغير مستغربةٍ له، لأنّ اللهَ يختارُ من يخدم بيته ويسخّر لهُ كلّ الأسباب، حفظ الله بلادنا وولاة أمرنا، ولبيك اللهمّ لبيك!