رمضان جريدي العنزي
يبحثون عن المسميات والألقاب وعلو المكان المزيف، يتحاربون من أجل ذلك بقوة وشراسة، يتحاسدون ويتباغضون ويغتب بعضهم بعضاً، ويسلقون ذواتهم بألسنة حداد، لم يقدموا للناس شيئاً مذكوراً، وليس لهم بصمة واضحة، ولا أفعال بائنة، لا بحثٌ أكاديميٌّ مفيدٌ، ولا اكتشاف مجرة جديدة ولا نواة، ولا يفقهون جزئيات الذرة والهواء، لا علم النانو، لا طبقات التربة، ولا كيف هي مكونات الماء، ولا يفرقون بين الطقس والمناخ، غير الصوت النشاز والتطفل والبحث عن الموائد العامرة ومجالسة الأغنياء، وسرد روايات الكذب وقصائد البهتان وحركات التشنج والتملق والتمثيل والانفعال وحضور المناسبات، بالتأكيد هؤلاء ذوات راكدة خاملة، دودة القز أجدى منهم وأجزل، أفيد منهم وأنفع، لها عطاء مميز، وإنتاج ثمين.
أكاد أجزم بأن الشعوب العربية قاطبة أكثر الشعوب ابتكاراً واحتفاءً بالألقاب والمسميات والكنى، لقد سأل أحد الصحفيين الكاتب «توفيق الحكيم» عن رأيه في لقب عمادة الأدب الذي خلعوه على طه حسين ولم يكن راضياً عنه، وماذا تعني هذه الكلمة بالنسبة للأديب، فأجاب قائلاً: قولوا لي أولاً: هل يوجد عميد للأدب في أميركا أو روسيا؟ أو في إنجلترا أو في فرنسا؟ وهل يعرفون في تلك البلاد مثل هذه الألقاب؟ لماذا نحن في الشرق العربي نفكر دائما في العمادة؟.
إن المسميات والألقاب لا تكسب للشخص المجد، بل الشخص نفسه هو من يكسب الألقاب مجداً، بعمله وفعله وحضوره وعطائه، إن الألقاب والمسميات لا يسعى لها سوى المغفلين والحمقى، أما الرجال العظام ليسوا بحاجة لغير أسمائهم، إن الألقاب لا تعني شيئاً، لأنها لا تعبر عن الحقيقة ولا تعتبر مقياساً، لقد أصبحت الألقاب اليوم نوعاً من أنواع مظاهر التفاخر التي يتم السعي لنيلها بكل الطرق الممكنة ولو على حساب المبادئ والقيم، اعتقاداً منهم بأن الألقاب تمنح الشخص السطوة وتعطيه القوة وترفعه لمكانة مرموقة، حتى ولو كان لا يستحقها إلا أنه يلجأ لها توهماً زائفاً ليضفي على نفسه بريقاً وقتياً أو لمعاناً لحظياً قد يزول مع أول تعامل معه.
إن المرء العاقل الفطن يبتعد كثيراً عن مستنقع الألقاب والمسميات والنزوات العابرة والغرق في حب المظاهر والأبهة والخداع.