عمر إبراهيم الرشيد
ضربة معلم تلك التي أتمها صندوق الاستثمارات العامة السعودي حين استحوذ على أندية النصر والهلال والأهلي والاتحاد، لأن هذه الكيانات تتوافر على فرص اقتصادية إذا أحسن إدارتها وإدارة أصولها ومواردها ووقف الهدر المالي الذي تئن تحت وطأته هذه الأندية. لقد كتبت هنا مقالات عديدة عن الميدان الرياضي السعودي وأن بالإمكان تحويله إلى صناعة لا تنحصر في الجانب الرياضي وإنما تتعداه إلى الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والترفيهي، وأزعم أن خطوة الصندوق السيادي الوطني بضم هذه الكيانات الرياضية الكبرى إلى استثماراته النوعية إلى جانب نادي نيوكاسل الإنجليزي سوف يضيفها إلى القوة السعودية الناعمة. ومعلوم لذوي الخبرة نتائج هذه الخطوة وأولها التحول الذي ينتظره المجتمع لهذه الأندية من ناحية ضبط إدارتها وحوكمتها كما قلت، مما ينتج عنه كيانات تدار بعقلية احترافية واقتصادية ورياضية مختلفة جذرياً عما مضى خلال العقود السابقة.
ومعلوم لمعظم المتابعين والشارع الرياضي كذلك أن الرياضة في العالم قد تحولت إلى صناعة واستثمارات بمئات المليارات، وبميزانيات دول وبالأخص تلك الأندية الغربية الأشهر، وهو ما جعلها تتكيف مع مختلف الظروف الاقتصادية نتيجة استثمارها مواردها على المدى الطويل، عكس ما يحصل لدينا وهو اعتماد الأندية على الدعم الحكومي والشرفي بشكل رئيس، مع استثمار متوسط في أحسن الأحوال إن لم نقل ضعيفا، وهذا أمر طبيعي كون الأندية كيانات حكومية تعهدتها الدولة بالدعم ومعها قطاع الشباب والرياضة بشكل عام. إلا أن تغير الظروف ليس لدينا فقط وإنما في العالم أجمع، يحتم تحويل الأندية إلى كيانات تستطيع الاعتماد على مواردها وتسويق أنشطتها فتكون كيانات رياضية بهيكلية اقتصادية، مع عدم إغفال الأهداف التي أنشئت من أجلها، ومن بينها تشجيع الشباب وجميع فئات المجتمع على الانخراط في مختلف الأنشطة الرياضية والثقافية والاجتماعية وبالتالي مكافحة الأمراض المزمنة، وكذلك مكافحة الفكر الهدام والآفات الاجتماعية وملء أوقات الفراغ بالمفيد من الأنشطة والمهارات الحياتية. وهنا لا بد من الإشارة والتذكير بأن النظرة المادية والكسب الفاحش قد تسربا إلى الصناعة الرياضية في الغرب وكذلك في القارة اللاتينية وغيرهما، وما فضائح الفساد في منظمات رياضية دولية إلا مؤشر على هذه المسألة. ولذلك فإنه من المثلج للصدر ما أقدم عليه صندوق الاستثمارات العامة باستحواذه على كبرى الأندية السعودية التي ينتظر أن تظهر نتائجه الإيجابية قريبا إن شاء الله تعالى، وإنما لا بد من التذكير بأننا أجدر بأن نتميز عن غيرنا بثقافتنا النابعة من ديننا الإسلامي والتي ينبغي تذكير إدارات الأندية على بثها والإعلاء من شأنها حتى ولو باللوحات وعبر شاشات الملاعب، فالإدارات الآن لم يعد لديها عذر حيث إن النواحي المادية لن تعود مشكلة بعد خطوة الصندوق، فيتبقى على هذه الإدارات ضبط النواحي الرياضية والسلوكية للاعبين وفي مختلف الألعاب وليس فقط في كرة القدم، وكذلك بث الوعي لدى الجمهور بمراعاة الروح الرياضية وتعزيز الحكمة القائلة (تواضع عند النصر وابتسم عند الهزيمة) وفي تقديري أن هذا يتم أولا عبر اختيار طواقم إدارية تملك مهارة الإدارة الإنسانية أولا، وتعزيز الجوانب الثقافية والمعرفية جنباً إلى جنب مع المهارة الرياضية، إلى اللقاء.