الشيخ محمد البراهيم الخضير هو واحدٌ من رواد التنمية السعودية ومن رجال الرعيل السعودي الأول. الذي شهد بدايات التأسيس. وعاش مراحل التنمية السعودية الأولى.. وانصهر تماماً ضمن منظومة هذه المرحلة. وكان أحد أهم رجالها الأوفياء والمكافحين والمخلصين.. والمساهمين بها في فعالية.
ولد بمنطقة القصيم وفي كنف أسرته نشأ وتربى. وفي الكتاتيب درس وتعلم.. حيث لم يكن يومها وجود للمدارس النظامية..
ونظير نباهته استوعب الدروس سريعاً ومبكراً وتعلم مهارات التعليم الأساسية والضرورية يومها (حفظ أجزاءً من القرآن الكريم والقراءة والكتابة).
وحيث إن طموحه كبير ورغبته في الجد والاجتهاد كبيرة.. وحيث ضاقت بلدته الصغيرة يومها بآماله وتطلعاته وطموحه الذي لا حدود له.. قرر السفر لطلب الرزق كحال أبناء جيله. والبحث عن أفق جديد وفرص واعدة لحياة جديدة.
- أرامكو:
ضمن المحطات المهمة في المجالات العلمية والتعليمية في حياة المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ محمد بن إبراهيم الخضير. كانت مرحلة العمل في شركة أرامكو..
حيث كانت شركة ناشئة وعملاقة. وحرصت هذه الشركة على استقطاب السعوديين للعمل في مرافقها المتعددة..
وكان الشيخ محمد الخضير أحد هؤلاء الشباب الذين انتسبوا إلى العملاق الاقتصادي أرامكو..
وكان واحداً من الشباب المتميزين في الأعمال التي أوكلت إليه.
حرص الشيخ محمد الخضير أثناء تواجده في أرامكو على التطوير ورفع مستواه العلمي والتعليمي.. وأجاد الكثير من المهارات ومنها تعلمه وإجادته للغة الإنجليزية.. وكان واحداً من أكفأ مترجمي أرامكو.
- التعليم أولاً ودائماً:
من المتفق عليه أن المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ محمد بن إبراهيم الخضير أحد أهم الرواد الأوائل في قطاع التربية والتعليم السعوديين. وهو من أهم الرجال الذين وضعوا اللبنة الأولى للتعليم النظامي السعودي. إن لم يكن هو أولهم على الإطلاق. وذلك أثناء مرحلة التعليم التقليدي أو كما تسمى مدارس الكتاتيب.
وساهم وبشكل رئيسي وفعال في مراحل التطور المتلاحقة التي شهدها قطاع التعليم السعودي..
ولإحساسه العميق بأهمية التعليم وأهمية نشر المعرفة احتساباً للأجر والمثوبة من الله تعالى.. فقد أطلق مبادرته الفردية وجهوده الشخصية فقط. حيث تطوع لتعليم زملائه الأميين في العمل القراءة والكتابة.. ولأن الإمكانيات محدودة فقد حوّل غرفة سكنه الخاص إلى فصل دراسي..
فكان يستقبل وبشكل يومي زملاء العمل ويعلمهم القراءة والكتابة.. ونجحت هذه المبادرة وأجاد الكثيرون القراءة والكتابة بفضل مجهودات وتضحيات وإخلاص زميلهم محمد الخضير..
كما أسس علي نفقته الخاصة مدرستين في قري نائيه لتعليم أبنائها. وخلال وجوده في مدينه الخرج كأحد موظفي أرامكو اقترح وسعى لتأسيس مدارس هناك ونجحت مساعيه وأُسِّست المدارس وكلف بالإشراف عليها.
كما كان هو أول المؤسسين للتعليم الأهلي السعودي.
وفي مرحلة أخرى من مراحل العمل.. حيث أتاحت الدولة المجال للقطاع الخاص لتأسيس مؤسسات التعليم العالي. وسنت الأنظمة والتشريعات المنظمة لهذا المجال.. كان المغفور له بإذن الله تعالى أول المبادرين والمرحبين والداعمين.
فأسس كلية اليمامة التي أصبحت جامعة كبيرة وعريقة تؤدي رسالتها التنموية والوطنية الرائدة..
نظير نجاحات الشيخ محمد الخضير في تأسيس وإدارة مدارس التعليم العام.. وتراكم الخبرات التربوية والإدارية التي امتلكها في هذا المجال الحيوي انطلق وأبدع في التأسيس والإدارة والاستثمار في مؤسسات التعليم العالي..
الشيخ محمد الخضير بات هو العلامة الفارقة والماركة السعودية المسجلة في نجاحات وتميز التعليم الخاص..
ركز في فلسفته بهذا الجانب على جودة التعليم وكفاءته بجميع مكوناته المادية والبشرية.. ولم يلتفت كما فعل كثيرون إلى الربح المالي السريع على حساب الجودة والكفاءة..
ونظير ذلك كان الشيخ محمد الخضير في المقدمة وفي القمة طوال سبعة عقود من الاستثمار في قطاع التعليم..
- تعليم البنات:
كانت هناك الكثير من التحفظات على تعليم البنات وتأسيس المدارس النظامية الخاصة بالبنات.. كان تأسيس مدارس للبنات موضوعاً مرفوضاً لعددٍ من أبناء المجتمع. لذلك تأخرت الدولة في افتتاح وتأسيس مدارس البنات. وتأهيل المعلمات المتخصصات..
ولأن التعليم كان هاجسه الأول والأهم.. ولإيمانه العميق بحق الفتاة السعودية بالحصول على التعليم النظامي والحديث.. لذلك كان القرار القوي والجريء من الشيخ محمد الخضير.. حيث قام بافتتاح مدرسة خاصة لتعليم البنات. والتي هي من مدارس البنات في المملكة العربية السعودية. بل هي أول مدرسة نظامية للبنات في العاصمة الرياض.
وقبل افتتاح مدارس البنات الحكومية. تحمل الشيخ محمد الخضير الكثير من ردود الفعل المعارضة وغير المؤيدة لهذه الخطوة.
ومع هذه الموجة العنيفة كانت هناك تأييدات وتبريكات من مختلف شرائح المجتمع وعلية القوم. لهذه المبادرة الرائدة التي أقدم عليها الشيخ محمد الخضير.
كان الشيخ محمد الخضير صاحب مبدأ أصيل وثابت في نشر التعليم والمعرفة والحث على طلب العلم. وتسهيل مهام طالب العلم.. لإيمانه الشديد أن أول خطوة من خطوات النهوض والتنمية تكون بالتعليم والتعليم هو الاستثمار الحقيقي للفرد والدولة والمجتمع. فالمجتمع المتعلم هو المجتمع الذي سينهض بالوطن والمجتمع ويقوده إلى صفوف المقدمة بين الأمم.. هكذا كان مبدأ الشيخ محد الخضير..
حيث نجحت مدرسة البنات الأولى بالرياض ووجدت إقبالاً وانتسبت لها أعداد كبيرة من الطالبات اللاتي وجدن التعليم النظامي والدراسة النموذجية.
- رجل المال والأعمال:
أسس الشيخ محمد الخضير عدداً من الاستثمارات الكبرى التي كانت عنصراً من عناصر التنمية الوطنية وخاصة في بدايات مراحل التنمية الأولى.
ابتدأ عصامياً وابتدأ من الصفر.. وسار في طريق النجاح.. حتى بات واحداً من أكبر رجال المال والأعمال السعوديين.. وضع هدفاً مهماً في تجارته. بأن يكون من المساهمين في إحياء الأرض.. من خلال خلق فرص العمل.. وبالتالي تحقيق التنمية البشرية والمساهمة بالاقتصاد الوطني..
الاستثمارات التي أسسها وساهم بها أكبر من أن تعد. لكن يجمعها النجاح والتميز والنزاهة.. التي كانت أركاناً رئيسية في كل أعماله.
ورغم تعدد هذه الاستثمارات إلا أن التعليم كان اللبنة الأهم في هذه المنظومة والتي تجد عناية ورعاية خاصة وخاصة جداً من قبل الشيخ محمد الخضير.
- أعمال الخير:
يشهد الجميع أن الشيخ محمد الخضير كان هو بذاته وطبعه مؤسسة خيرية تمشي على الأرض. فقد عرف عنه كرمه وسخاؤه المستمر في دعم وتمويل كل أعمال الخير والإحسان.. فكانت مبادراته وعطاءاته المتعددة محل كل تقدير وثناء.
ونظراً لعشقه الأزلي وإيمانه العميق بالتعليم فقد خصص الجزء الأكبر من أعماله الخيرية لدعم وتمويل التعليم والمشاريع التعليمية بمختلف التخصصات.
ومن أبرز وآخر مساهماته في مجال دعم التعليم إنشاؤه لمبنى الوقت التعليمي بمركز أبانات بالقصيم. وتبرعه بمبلغ خمسين مليون ريال لوقف القصيم التعليمي وتبرعه بإنشاء كامل تجهيزات أكاديمية حسن التعليم لعلوم القرآن الكريم.. وغيرها كثير..
- الوفاة:
بعد حياة حافلة بالجد والمثابرة والنجاح.. وبعد عقود من الزمان التي قضاها من هذه الدنيا كسب المحبة والتقدير والثناء الحسن انتقل الشيخ إلى رحمة الله تعالى يوم الخميس الموافق 1444/11/5هـ.
مخلفاً الكثير والكثير من أعمال البر والخير والإحسان والمشاريع التنموية الرائدة..
كاسباً تقدير جميع الأوساط الاجتماعية والرسمية فنسأل الله تعالى له المغفرة والرحمة والقبول الحسن.
- التكريم:
نظير مساهماته وعطاءاته الكبيرة والمتعددة على المستوى الاجتماعي والخيري ونظير نجاحاته كأحد رموز الوطن الناجحة. فإن الشيخ محمد بن إبراهيم الخضير يستحق التكريم الخاص..
وبلا شك فهو أهل للتكريم.
** **
- عارف العضيلة