عبدالمحسن بن علي المطلق
أحسب أن أقرب امتثال لهذا الشطر للمتنبي.. آتٍ على لسانك يا وطني، من عدة أصعدة..
فعلى المستوى (العربي) منذ أيام استضفنا القمة العربية «قمّة جدّة «، ومن بعدها على المستوى (الإسلامي) تدشين التسمية للرواق السعودي بالحرم «المكّي»، وها -للتو -على المستوى (العالميّ) العودة للفضاء..والأخيرة التي بصدد التحبير عنها نالها بنو وطني بعد أقل من أربعة عقود لإثبات وليس تجربة سلفت، لأقف ممتداً العنق على هذه المفاخر.. ممتلئا نشوة، على النحو الذي به صيغت رسالة «الاتصالات» وقد حاكت مرامي بفخر لاحدود له، انطلق أبطالنا.. #نحو_الفضاء، في مهمة علمية رائدة بمستهدفات تخدم البشرية، لتحقق «طموح السعودية»..) ففي الجملة الأخيرة ما يُشبع نهمنا كلّنا.
ففي خواتيم الأحد ليلاً من مطالع سعودٍ ذي القعدة 1444 هـ تاريخاً سطّر به أبناؤنا، فكاد يقف تعابير زهونا ترديد..
(سارعي..) يا بلادي للمجد
هذا في الزمان، أما المكان فمن مركز «كينيدي» الفضائي في ولاية فلوريدا -الأمريكية - إلى محطة الفضاء الدولية.
انطلقت رحلة علمية ميمونةً (وليس إقلاعا)، فيما الهدف منها تحقيق..أعني تحمل أماني عذاب، و.. ((الرحلة عبرصاروخ «فالكون 9» ومركبة «دراجون 2» لنقل طاقم المهمة إلى محطة الفضاء الدولية، كما تتضمن الرحلة إجراء14 تجربة بحثية علمية..)) كذا صيغ الخبر العلمي المصاحب فكانت والحمد للِهِ واقعا مُشاهدا من قِبل العالم قاطبةً..
ففي كون (مركبة) على متنها مهجتان من بلادي والقلوب المفعمة بالأماني الكبرى لهما داعية، هما / نقيب طيار « علي القرني «، والباحثة في مجال الخلايا الجذعية «ريانة برناوي».. في مهمّة حملت اسم (AX-2) الفضائية،والمرسلة من «الهيئة السعودية للفضاء»، والتي أمضت - هناك- بحول المولى تعالى 8 أيام، وهنا نذكر..
فنستذكر التجربة الأولى قبيل 38 عاماً، انتظاراً لخوض التجربة الثانية بتمثيل ثنائيّ هذه المرّة والعُقبى أن تكون الثالثة بفريق سعودي خالص. وللعلم حين نُرهف للمدة- 38 سنة-.. فهي ليست بطويلة البتة..!
فالأمر ليس بالسهولة التي نشاهد إذ خلف ما شاهدنا عمل منكبّ على ترتيبات دؤوبة ومتواصلة بلغت ذروتهالحظة الانطلاق التي أرهفت قلوبنا وهي تنبض بين أمل قادم، وتجربة مشوبة بمخاوف..للسموّ ليس غرضها فقط، بل ومكانها، لأنك تتكلم عن عالم وصفه هرم أمريكي حضر المشهد.. وبتعبير فيه من المجاز ما بالكاد يبلغ: (الذهاب للمجهول)، هذا تقييمه، لكنا نحن ونحن نتطلّع إلى عالم ينقل لخطى أرحب)... الفضاء) نجدنا متوقّدين لهذه التجربة.. وأكفّ تلتهب وهي تثني على حدوثها، مع رجاء يصحب ومن الأعماق يُطلق أن لعل الله يبلغنا مافوقها عن قريب..ما لا نحتاج لذات الفترة الزمانية التي دشّنها الأمير سلطان نجل خادم الحرمين الشريفين.
نعم ليس بمجهول، وإن بدا ذلك لقاصر النظر، فالعلم لا يختلف عليه عاقل أنه عطاء تراكمي كما أنه لا يُبلغ إلاعن طريق التدرّج، وسوى ذلك دونه خرط القتاد، لما لأي قفزة في ذاك المضمار غير محسوبة تُلفى مهولة التبعات، إن لم تكن غير مأمونة النتائج! مما تعيد أحايين للمربّع الأول، فتكرت عندنا- بنجد- مثال-(كأنك يا أبو زيد ماغزيت)!
وبالمناسبة فإن العلم أكثر شيء يقاس بـ(الكيف) لا (الكم) لا بالكم، والمعنى أنك لن تجد صاحباً سيسأل (كم) أخذ هذا منك، من مدّة أو جهد؟، ولكن السؤال وقفا على (كيف).. بلغت مبلغك!، يسأل وفي مكنونه ينفث أن عسى جبلا آت يقرأ بهمّتك ما يستنفره ليحاكيك، فالقوم وهم يتساءلون (كيف) بلغ فلان؟، فيما على وجوههم نظرات نضرةً تلقاءه، وهي تحتفل -بمعيّته- تحصيله، محتفيةً بمنجزه، فيما تذهب تعابيرهم لأبعد منىً لعل العالم يستشفّ من تجربة بل تجارب أن(عسى) يُكتب لهاالنجاح، لخدمة و»تقدم» البشرية قاطبةً..
فلا نزلت علي ولا بأرضي
سحائب لا تنتظم البلادا
ثمّ إنّه علم يبذل له النفيس لأنه يرجى..
فمبلغك ذاك عزّ لبلادك من طارفٍ، وتليده أنه نفع للإنسانية، إذ كل عطاء إلا وتمتدّ حبائل خيره الخلق (عموماً)، فالاتصالات - مثلاً- وقد بلغت آفاقاً لم تقتصر على بلادٍ أنتجتها..
فالتريث على النتاج لا على تواصل العمل مطلب، ومُلحّ، فالآمال العِراض لا تنال إلا كما قرّب أبو تمام.. على جسر من التعب
فيلزم هنا استصحاب الصبر لحصاد البذر..
والنحرير ما ليس بحاجة لتذكيره بخاصيّة هذا التأنّي، كما وأن الفطن قمينٌ به استحضار هذه المسلّمة.. التي لاشية فيها وهي تقول الثمر لا يقطف إلا بالصبر والتروّي عليه حتى ينضج ليأكل هنيئاً مريئاً.
لذلك نعيد عن تلك الـ38 عاماً مسافة زمن ما بين التجربتين كانتا لبلادي (تحديداً أبناءهم) لا، ليست بكثيرة، فالعلم أي علمٍ هو تراكمي، مما يعني أنه قد لا يبلغ المطلب بهذا الجيل، فالطيران - ذاته- أمضى تجارب تدرجيّة زهاء الثمانين عاماً.. كي يتمكن الفرد العادي الاستفادة منه.
ولهذا فقد انصرمت حقبة مطامع القوم أقصد مطالعهم أن يبلغوا، ثم حصد ما بذروا جيل تالٍ...آخر، وهكذا هي نوعيّة من العلوم، وخذها بـ(الوراثة) الجسدية.. فلا زال حسب علمي تحت التطور.. أي لم يُخلص به بعد إلى قواعد يُتفق عليها، فالدراسات كل يوم هي في شأن - أي يكشف- عن عطاء..تستجدّ به معالم لتلكم، ثم يأتي لهاناقض، وهكذا، فالصبر (وحده) مواتٍ لحالة الظفر.