عبده الأسمري
تبقى ذمة الإنسان ونيته في محيط السرائر التي لا يعلمها إلا الله علام الغيوب. وفي ظل ذلك هل تكفي الهيئة لكي نحكم على هوية السلوك في أنفس الآخرين سواء كان سلوكاً دينياً أو تصرفاً حياتياً أو منهجاً فكرياً بمجرد الحديث أو الشكل الخارجي أو هيمنة الذاتية على اتجاه واحد وإهمال الاتجاهات الأخرى..
قرأنا بكل شوق وشغف ومحبة واعتزاز وتعظيم عن حبيبنا ونبينا وشفيعنا المصطفى صلوات الله وسلامه عليه وما كان في هيئته من النور والضياء وعلى محياه الجميل من الجمال والامتثال وما حمله قلبه وسلوكه من كمال بشري واستكمال إنساني جعله قدوة البشر وأنموذجا قاد جبابرة وطغاة الديانات إلى اعتناق الإسلام.. حيث كان سليم الصدر طيب المعشر عظيم اللسان فصيح البيان جميل الكلام حليم العقل صفوحاً عفواً كريماً مدرسة بشرية من الخلق.. واعظ حسن حكيم وقور كامل الأوصاف قولاً وفعلاً.. وهو نبراس البشر ونور الرسالة ونبع الرحمة وعنوان الفضائل.. كان يأمر أصحابه بالحسنى ويعامل أعداءه بالموعظة ويتعامل مع أسراه باللطف واللين. فظلت صفاته السلوكية الأساس الذي نتعلم منه موضوعية «التعامل» ومنطقية «التكامل» ومنهجية «التواصل» تحت عنوان عريض وهو «الأخلاق» التي ترفع الإنسان في موازين «الذكر» وتعلى الشأن في مضامين «الشكر».
وكما قال نبينا الكريم إن الخير في أمته إلى يوم القيامة وكما ظهر صحابته الأخيار وهم من أفاضل البشر الذي نهلوا من نبع خير الورى أنبل الصفات وأفضل السمات فكانوا رجالا صدقوا ما عاهدوا الله عليه وتعاقبت الأزمان فظهر التابعون وتابع التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.. ولا يزال الأخيار يتواجدون بيننا منهم من علا شأنه باعتبار ديني أو معرفي أو علم شرعي أو فعل خير أو نفع للبشرية وهنالك من لا نعلمهم وهم جنود مجهولون ومنهم من يحملون في قلوبهم مدرسة إيمانية كاملة ولكن السؤال هل يجوز الحكم على الآخرين من مظاهرهم وهل الشكل المعلن أمام الناس شرط للاحترام الديني أو مدخل للاستشهاد بالعلم الشرعي أو الاستناد إلى المعنى الإنساني أو الارتهان إلى الفكر المنهجي..
يرتبط الانسان بالسرائر ويترهن إلى البصائر التي تفضي إلى المصائر التي تتجلى من أصول «النوايا» إلى فصول»العطايا» في وسائل معلنة ورسائل واضحة ودلائل موثقة تعكس شخصيات البشر استناداً إلى الطبيعة البشرية والطبع الإنساني والتطبع السلوكي الذي تحكمه العديد من المنطلقات والأساسيات وتأتي الأعمال والتصرفات والسلوكيات كشواهد على الفكر ومشاهد على العقل لتبرز شخصية الإنسان وفق البراهين والمضامين.
تحل «سوءات» الظنون لتلعب دورها في «الخصام» وتؤصل شرها في «الخلاف» وتعمق جذورها في «الاختلاف» فترتفع حدة «الخصومة» ويعلو صوت «الفرقة» وتسيطر «الأنانية» في أبشع صورها لتقضي على منهجيات «الرقي» بعد أن فرضت «الرؤية» الغامضة وجودها على ساحات «النقاش فيكثر الجدل ويشيع الجدال دون الالتفات إلى مسلمات «التروي» ومنطلقات «التفكر» والنظر بعين «العقل» بعيداً عن افتراض «الاجتهاد».
لقد أمر الله سبحانه وتعالى بالعدل والإحسان ووضعها مقترنة في توجيه إلهي يؤكد أهمية الإنصاف والاتزان والمكوث في منطقة آمنة بين المتحاورين والمختلفين مع ضرورة أن تكون «الحسنى» حاضرة في كلمة طيبة ترتفع كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء لا تزعزعها «الترهات» ولا تسقطها «المهاترات» أو تصرف محمود قائم على «الوفاق» ومعتمد على «حسن الظن» ومتعامد على «العفو» ومستند على «الصلاح» ومتجه نحو «الإصلاح».
تتباين سرائر النفس بين السوء واللوم وتتجه مصائرها إلى الاطمئنان راجية أن تكون راضية ومرضية حين موعد «الرحيل» والرجوع إلى ربها وخالقها بعد الموت لذا تظل كل نفس بما كسبت رهينة في كل منعطفات الحياة ومراحل العيش ومحطات العمر.
سريرة الإنسان هي المنطلق التي تقوم عليه السلوكيات من أقوال وأفعال والتي تتخذ من الحقيقة نوراً ينير ظلمات «السلوك» بإضاءات السداد للمضي في سبل الرشاد أو تنال من الاحتيال قدراً يشوه دروب «المسالك» بسوءات الأخطاء وإساءات التوجه للمكوث في قعر الفشل..
تتشكل هوية السلوك ما بين سرائر النفس وبصائر الذات فتأتي المصائر كبراهين ونتائج تجلت من أعماق التفكير إلى آفاق التدبير.