رمضان جريدي العنزي
عرف تاريخ الأدب العربي ظاهرة المجالس الأدبية منذ القدم، وفي القرن العشرين انتشرت الظاهرة بصورة أكبر في العالم العربي متأثرة بنمط الحياة الثقافية الغربية وهكذا تحول المجلس إلى صالون يجمع نخبة من الأدباء وتتابع جلساته الصحف وأقلام النقاد، فكان أشهرها صالون اللبنانية مي زيادة، وصالونات أخرى لطه حسين والعقاد والمازني، ومن أقدم المجالس الأدبية في مدينة الرياض، ندوة الرفاعي، وسبتية الشيخ حمد الجاسر، وأحدية أبو عبدالرحمن الظاهري، وأحدية راشد المبارك، وإثنينية الذييب، وندوة أنور عشقي، وثلوثية بامحسون، وثلوثية التويجري، وديوانية عبدالله الماضي، وسبتية السديري، وغيرها الكثير من المجالس الأدبية الراقية.
إن المجالس الأدبية مجالس راقية تعزز الثقافة العامة لدى الفرد، وتسهم إسهاماً فعالاً في صياغة وتطوير الفكر الأدبي والثقافي والأدبي لديه، وتشكل آليه طرح مميز لتعزيز المادة الثقافية، وترفد الروح الأدبية المجتمعية، أحرص جداً على زيارة المجالس الأدبية، وأعطيها أهمية بالغة دون المجالس الأخرى، والتي تهتم بالقيل والقال، والهمز واللمز، و(حش العراقيب)، إن المجالس الأدبية أوالصالونات تعمر الفكر والقلب وتأخذ الحاضرين إلى فضاءات رحبة يأنسون بها ويستريحون، في هذه المجالس الراقية يجتمع فيها الشعراء والأدباء وأصحاب المقالة والرواية والطرح الناضج المفيد، فيها روح أدبية مرهفة، وفيها الروعة والمتعة والتفاعل، لقد تحدث الصحابي جابر بن عبد الله عن أكثر من 100 جلسة شهدها مع النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة، حيث قال: «فكان أصحابه يتناشدون الأشعار في المسجد وأشياء من أمر الجاهلية»، وفي حديث آخر «كان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتناشدون الأشعار، ويضحكون، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - جالس يبتسم معهم»، كما حمل الصحابة مشعل الروح الأدبية وجاسوا بها أنى توجهوا ولو إلى الأماكن المقدسة، حيث نجد نقلاً عن الشعبي: «رأيت رجالاً من الصحابة - رضي الله عنهم - بفناء الكعبة يتناشدون الأشعار».
إن للمجالس الأدبية وهجاً مغايراً، ومنارة إشعاع، وشاطىء راحة، كونها تسهم في إثراء المشهد الثقافي، وتقدم المعلومة والمعرفة في مختلف العلوم والآداب، بالإضافة إلى تعزيز ثقافة الحوار، ومد الجسور الاجتماعية بين أفراد المجتمع بمختلف تنوعاته ومشاربه، إنها نافذة فكرية لاستقطاب المواهب والعقول النيرة، ولها دور مميز في إثراء الفكر، وتغذية والروح، إنها مجالس إبداعية، نافذة مشروعة، ورئة أدبية، لا فيها وجاهة، ولا (برستيج) ممل، ولا هلامية طرح، إنها أفق تنويري، وتجمع بنّاء، وإثراء للعقل، وتوسيع لمدارك الفكر، وتقوية لأواصر المحبة، وتواصل اجتماعي مميز.