نجلاء العتيبي
خلف كاونتر الاستقبال في هذا المبنى التجاري الخاص الجميل الحيوي المزدحم بطالبي خدماته مدفوعة الثمن.. يقبع هذا الموظف منشغلًا عن الجميع بهاتفه، تعلو وجهه علامات تعبيرية توحي بعبوس واقتضاب، وتكفي عن ردّه بالكلام بالجلوس وعدم الحراك، حتى ينتهي من مكالمته غير المهمة في وقت الآخرين المهم.
وإن لم يكن الأمر طارئًا فتلك مصيبة!
ليس من شيء أكثر إحباطًا من إهمال شخص لمسؤوليته.. فحياته المِهنية قد تُدمَّر بهذا السبب!
تعامله نسَف -وللأسف- في عيوننا جماليات المكان..
لم نرَ منها غير قُبح تعامل هذا الموظف..
ومن الطبيعي أن يصيبنا النفور، وقد أبدى البعض رغبته بالاستدلال على منافس أفضل بصوت جهوري؛ علَّه يصل لمديره، فيقوم بتقويمه ومحاسبته قبل فوات الأوان..
إتقان مهارة حُسْن التواصل والاستقبال هي المفصل دائمًا..
الانطباع الأول يمكن أن يُجمل بالثاني، وبصعوبة يمحو وقعه بالثالث.. لكن أن يستمر على نفس الوتيرة فمستحيل الاستمرارية.
إنها الطمأنينة والرضى اللذان يدفعان البشر في كل تعاملاتهم، لذلك تُغلق الأبواب -هل أنتم معي؟!-
لنا أن نتخيل حجم الضرر المادي والأثر البالغ الذي يمكن أن يعكسه هذا التصرف على هذا الكيان؛ مهما كانت جودة خدماته المقدمة..
أخلاق العمل ليست مادة تدرس لتجاوز اختبار.. بل هي منهج إسلامي يُلزم الفرد بحفظ الأمانة المودعة إليه بجميع تكاليفها، والالتزام بها، حتى يكون غياب رب العمل مثل حضوره..
وينبغي عليه إدراك أهمية إتقان عمله، وتعامله مع الجمهور بتقديم الخدمة بحضور وتركيز وبكلمات راقية ووجه بشوش.
«إن مما يُعين العبد على إتقان العمل أن يستشعر رؤية الله -تعالى- لعمله؛ كما قال الله -تعالى-: {وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} (التوبة: 105).
كما أن الإخلاص لله -تعالى- سرٌّ بديع من أسرار الإتقان، وتلك وصية النبي -صلى الله عليه وسلم- حينما سأله جبريل عن الإحسان، فقال: «أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك» (رواه مسلم).
فإذا كان الإنسان لا يتقن إلا إذا كان رئيسه في العمل فوق رأسه؛ فقد مات الضمير، ودُفن الإخلاص! (د. شريف فوزي سلطان).
ضوء
«أتقن عملك تُحقِّق أملك». (أفلاطون)