عمر إبراهيم الرشيد
مع بوادر استقلال الولايات المتحدة الأمريكية عن بريطانيا والذي تم عام ١٧٧٦ م، كان الرئيس الأمريكي توماس جيفرسون (أحد الآباء المؤسسين للولايات المتحدة) قبيل ذلك يعكف على قراءة القرآن الكريم، وذلك ليستمد منه مواد للدستور الأمريكي في مجالات سياسة الحكم والحقوق الاجتماعية والقضائية والمساواة والعدالة وغيرها من القيم والمبادئ، فيما امتدح خلفه الرئيس ابراهام لينكولن النبي محمداً ورسالته ودعا إلى التحلي بأخلاقه.
ولقد تأسست الولايات المتحدة وتحديداً مع إعلان دستورها واستقلالها على قيم ومبادئ لا تبتعد في جوهرها عن القيم التي جاءت بها الأديان السماوية وخاتمها الاسلام، لأن المجتمع الأمريكي في غالبيته مهاجرون كاثوليك من إيرلندا مع باقي الدفعات المهاجرة من نواحي أوروبا، وقد أتوا بما تبقى معهم من قيم مسيحية محافظة وقيم العائلة وأهمية الترابط والعدالة الاجتماعية، مع مبادئ الحرية وتكافؤ الفرص.
وعلى تلك المبادئ والأسس تكون ما يسمى بالحلم الأمريكي فصارت أمريكا أرض الأحلام والميعاد لمن ينشد البدء في حياة جديدة وفرص مفتوحة، ومع تشجيع الهجرة وازدهار أعمال البنية التحتية وإنشاء الجامعات وتنامي التجارة غدت أمريكا أنموذجا للنجاح ومن ثم القوة الاقتصادية والعسكرية الأولى عقب الحرب العالمية الثانية.
بالأمس خرج الرئيس الأمريكي جو بايدن ليعلن أن أمريكا أصبحت أمة (مثلية)، وبرغم ما شهده المجتمع الأمريكي خلال العقود الماضية بدعوى الحرية الفردية، من مظاهر التحلل الأخلاقي والالحاد والكفر بالمبادئ المسيحية التي قامت عليها أمريكا ودستورها، أقول بالرغم من ذلك إلا أن إعلان بايدن قد صدم أشد المتشائمين من الأمريكيين أنفسهم بمستقبل بلادهم، لأنه ما زال برغم ذلك قسم من الشعب الأمريكي يرفض مظاهر الانحلال في مجتمعهم ويتمسك بالقيم المسيحية ويرفض الفكر الشاذ، ولا يبرر هذا الإعلان كسب الأصوات الناخبة كما تجري الحملات الانتخابية هناك. ويبدو وكأن أمريكا تقترب من الانتحار المعنوي تمهيداً للتراجع الحضاري والانزواء على نفسها وفقدان دورها العالمي كما بدت ملامح ذلك خلال العقدين الأخيرين.
يذكر التاريخ في صفحاته أن أول عوامل سقوط الأمم هو التفسخ الأخلاقي، لأنه يقود إلى الضعف وعدم القدرة على الحفاظ على الأرض والمكتسبات نتيجة الانغماس في الأنانية والملذات. ولا يغني العتاد العسكري أو الرخاء الاقتصادي عن القيم والأخلاق {فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ}(الأنعام: 44).