د.عبدالله بن موسى الطاير
صراع الهوية بين المحافظين والليبراليين في الولايات المتحدة الأمريكية محتدم، وتحول من ضمان حق الناس في أن يكونوا ما يشاؤون وعدم التميز ضدهم بسبب ميولهم الجنسية إلى قرارات تشريعية تتدخل في تشكيل هوية أمريكا الجنسانية. ولك أن تتخيل أمريكا بدون ذكر أو أنثى، وأن تجر للمحكمة لأنك قلت سيداتي سادتي.
بالطبع فإن أمريكا ليست موحدة خلف الأغلبية الديموقراطية في الفرع التشريعي للسلطة، وهناك معارضة حقيقة لهذا التغيير الجوهري في الهوية الأمريكية، إذ يعتقد غالبية الأمريكيين أن أصحاب الأعمال والمحلات التجارية يجب أن يكونوا قادرين على رفض تقديم الخدمات في المواقف التي قد يؤدي فيها تقديمها إلى «افتراض دعمهم المعتقدات المتعلقة بالمثليين والمثليات ومزدوجي الميل الجنسي ومغايري الهوية الجنسانية «التي تتعارض مع قناعات التجار الشخصية أو الدينية»، وفقًا لاستطلاع لمركز بيو للأبحاث.
وبحسب الاستطلاع يعطي 82 % من الجمهوريين أو الذين يميلون لهم الحق لقطاع الأعمال من خدمات ومنتجات في رفض تقديم الخدمات للمثليين إذا كان لباعة ومقدمي الخدمة قناعات دينية أو شخصية ضد المثلية، بينما يؤيد 59 % من الديموقراطيين أو من يميلون لهم إرغام أصحاب الأعمال على تقديم خدماتهم للمثليين ولو كانت تتعارض مع معتقداتهم الدينية أو الشخصية. وينسحب هذا الانقسام على بقية فئات المجتمع الأمريكي حيث يعطي 71 % من البروتستانت التجار الحق في رفض تقديم خدماتهم للمثليين وتتوافق معهم في الرأي 82 % من الإنجيليين البيض، و69 % من الإنجيليين غير الملونين، و60 % من الكاثوليك، و50 % من الملحدين، بينما يمنعهم هذا الحق 50 % من البروتستانت السود.
وبحسب مجلة فوربس فإن مجتمع الميم يواجه موجة من القيود المناهضة للمثليين والمتحولين جنسيًّا... وعلى الرغم من أن استطلاعات الرأي تُظهر أن الأمريكيين يؤيدون حقوق مجتمع الميم ويعارضون التمييز ضدهم، فإن دعم قضايا المتحولين جنسيًّا لايزال مثيرًا للانقسام مع تصاعد هجمات اليمين.
موضوع الجندر والهوية الجنسانية تشظي المجتمع الأمريكي، والمعارضون لنهج الديموقراطيين يعتقدون أن أمريكا تفقد جيلًا كاملًا بسبب اضطراب الهوية، وأن شعبًا مضطربًا بهذا العمق لا يمكن أن يحافظ على عظمة أمريكا في وجه المنافسين مثل الصين التي بدأت تدرس الرجولة في مدارسها الابتدائية. تعليم النوع والجنس للطلاب الأصغر سنًّا مرفوض شعبيًّا في أمريكا، لكن المشرعين يسيرون في اتجاه آخر، حيث وجد استطلاع لمركز بيو في أكتوبر 2022 أن الآباء من رياض الأطفال حتى الصف الثاني عشر انقسموا بنسبة 31 % إلى 31 % حول ما إذا كان ينبغي تعليم التلاميذ أن الجنس يتحدد عند الولادة أم لا، ويرى 37 % ممن شملهم الاستطلاع أنه لا ينبغي تدريس هذا الموضوع على الإطلاق. كما أن 70 % و54 % على التوالي تعارض تعليم الميول الجنسية والهوية الجنسية في المدارس الابتدائية والمتوسطة على الإطلاق، على الرغم من أن 56 % تؤيد تلك الموضوعات في المدرسة الثانوية.
أبعد من ذلك ذهب عضو مجلس الشيوخ في ولاية كاليفورنيا إلى تحذير الآباء من قانون تأكيد الجنس، قائلًا: «إذا كنت تحب أطفالك، فعليك أن تلوذ بالفرار من كاليفورنيا». الرجل معه حق، فلك أن تتخيل أن طفلًا في التمهيدي أو الابتدائي لا يعرف هل هو ذكر أم أنثى، ولا يحق لوالديه أو المعلمين أو مقدمي الرعاية الصحية أن يصنفوه ذكرًا أو أنثى. إذا كانت معارف وخبرات الإنسان تتشكل في معظمهم في هذه الفترة المبكرة من عمره، وأهم مكون فيها مفقود وهو ما إذا كان ذكرًا أو أنثى، فلك أن تتخيل حجم الاضطراب الهوياتي الذي يعصف بهذا الكائن، ومن ثم بجيل كامل، وأمة تسمى الولايات المتحدة الأمريكية.
القانون الجديد لولاية كاليفورنيا يجعل القيادة بيد الطفل، فهو الذي يتحكم في قرارات والديه، وقرارات القضاة والمعلمين وغيرهم، وسيتخذ الطفل في ضوء هذا التشريع القرار بمفرده، وأي شخص آخر سيكون ميسرًا ومسهلًا لقرار الطفل. ستيلا أو مالي معالجة نفسية وناشطة مجتمعية ظهرت في قناة فوكس نيوز الرقمية تحذر من هذا الجنون التشريعي في ولاية كاليفورنيا معتبرة أن هذا النظام يلزم الآباء وجميع الكبار حول الطفل بتأييد قراره أيًّا كان، وبخاصة في مجال ميوله الجنسي وهويته الجنسانية. فلو قرر الطفل تسمية نفسه باسم آخر، أو نطق اسمه بشكل مختلف أو النوم مع نفس الجنس أو الجنس المقابل فإن على والديه وجميع الكبار من حوله أن يوافقوا على قراره وأن يؤيدوه وأن ييسروا له ذلك القرار، أو أن يواجهوا تبعات رفضهم في المحكمة، بما في ذلك انتزاع الطفل منهم. ليس هذا فحسب وإنما سيحق للطفل وحده أن يقرر أين يتعلم وماذا ويتعلم وأين يعيش ولن يتمكن أحد من الكبار حوله من صرفه عن قراره أو حتى التأثير فيه بالنصح والتوجيه، كل ذلك سيكون من غير النظامي.
معظم الجمهوريين يعتقدون أن موضوع المثلية وتمنع حديد الجندر عند الولادة هدفه إحداث تغيير ديموغرافي يحرم الجمهوريين من قواعدهم الانتخابية التي تعتمد على القيم المسيحية المحافظة وعلى المحافظة على الأسرة. لكن هذا الشأن يشكل انقسامًا حادًّا سيحدد مصير الولايات المتحدة الأمريكية.