حسن اليمني
نسمع كثيراً عن ظهور مركبات قادمة من الفضاء للأرض، نصدق نكذب نشكك أو لا نهتم، ببساطة هل هناك قيمة لمعرفة ذلك؟
في هذا الكون الواسع المنقسم إلى عدة مجرات وكل مجرة تكتنز آلاف النجوم والكواكب فهل كل هذا خُلِقَ لإنسان الأرض؟ بل وهل الحياة الدنيا مقتصرة فقط على كوكب الأرض؟ ألا يوجد أن الراهن جنّة وخلق ينعمون بها مقابل نار وجهنم يستعر فيها خلق؟
الأمر ليس بحث ديني أو عقائدي أو أنه من باب الموعظة والنصح، بل تساؤلات عقلانية ربما تكون من اكتشافات المستقبل، والأمر المثير في القصة هو فيما لو تم فعلاً اكتشاف حيوات دنيوية وأخروية أبدية تعيش في كنف وجودنا كيف سيكون مردود هذا الكشف على الإنسان ورؤيته عن حقيقة الوجود ومآله؟
تظهر مثل هذه الأفكار حين نقرأ الآية 30 من سورة البقرة {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ}، فلماذا تعجبت الملائكة وبررت ذلك بالإفساد وسفك الدم وكأنه حدث سابق ومجرب؟ حقاً الأمر مثير للتفكير وإن ظهرت تفاسير مختلفة قديمة وحديثة لكن بالمجمل هي تفاسير احتمالية لا يقينية، لا توجد حقيقة تثبت صحّة تفسير من هذه التفاسير وأقصد بالحقيقة برهان ظاهر لا يختلف عليه.
في تاريخ الطبري الذي ابتدأه من آدم عليه الصلاة والسلام وحتى القرن التاسع الميلادي، ويحسب له أنه كان يذكر عمر وسنين أعلام الحدث وكم بقي آدم وحواء في السماء ومتى نزلوا على الأرض وأين وكم عاشوا ومن أنجبوا وهكذا سلالة آدم وحواء، لكن المثير أن مجموع ما يمكن احتسابه من نزول آدم عليه السلام للأرض وحتى اليوم بحساب الطبري قرابة ثمانية آلاف عام، بينما يحدثنا علماء التاريخ والجيولوجيا عن ملايين السنين، بل ويظهرون لنا آثاراً تُحسب أعمارها بآلاف وملايين السنين فكيف بهذا لذاك؟ بل بأي عقل يصدق بعض البشر النظرية الدارونية المدقعة في الجهل والتخريف ثم توصف هذه الثقافة بالمتحضرة.
لم يستطع الإنسان صناعة العظام وحين تجمع عظام إنسان أو حيوان مثل الديناصور ويُقال إنه عاش قبل ملايين السنين على الأرض أو كما يوصف «قبل التاريخ» فهذا برهان يقيني مقنع عن وجود حياة لكن تبقى حسبة السنين لوجوده حسب طبقات الأرض وتحاليل العظم كنتيجة علمية مقنعة لكنها أيضاً يمكن القول إنها غير يقينية إلا إذا قلنا إن الوجود للإنسان على الأرض لا يتجاوز آلاف السنين فقط باعتبار أن آدم هو أول إنسان بشري وُجِد عليها ومنه ومن حواء ظهرت السلالة البشرية فهل كان هناك خلق قبلنا على الأرض ظهرت عليهم القيامة وانتهوا إلى الخلد بما يفسر وجود خلق يعيشون الآن في الجنة وآخرون في السعير؟ هذا يظهر في كثير من الأحاديث والروايات التاريخية والمواعظ الدينية مثل تلك التي حبست قطة فدخلت النار أو بما روي عن رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم في الإسراء والمعراج حول غلبة النساء على الرجال في جهنم ولقائه مع بعض الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.
لا شك هناك تفاسير لهذه الروايات والأحاديث مثل ما هناك تأكيد وتكذيب وتشكيك، لكن الأمر يطرح أسئلة أهم مثل: لماذا نحسب فقط أن الأرض وهي كوكب صغير في مجرة التبانة هي الحياة والدنيا؟ وإن كانت هناك حيوات ودُنا أخرى في هذا الكون فمن البديهي أن نصدق بوجود محاولات غزو فضائي لكائنات تعيش في كواكب أو مجرات أخرى أيضاً، وحين نقول محاولات فإننا نتوقع أن تنجح أخيراً إحدى هذه المحاولات وحينها ما الذي سيحدث لعقل الإنسان وفهمه عن سر الوجود ورسالته؟
وإذ نؤمن نحن المسلمين ويؤمن أتباع كثير من الشرائع الدنيوية من البشر على الأرض أن الخالق هو الله جلَّ وعلا وهو خالق كل شيء وهو ربنا ورب هؤلاء الفضائيين فكيف ستلتقي عقولنا وعقولهم؟ كيف سنتحدث وعن ماذا نتحدث وبأي منطق ولغة نتحدث، الصورة ليست في الهيئة والشكل فنحن نتعايش مع حيوانات مختلفة الرسم والشكل، بل ونؤمن بوجود خلق خفي يعيش بيننا لا نراهم وإن كانوا هم يروننا وذلك رحمة من الله سبحانه وتعالى لنا وامتحان لهم، لكن الأهم هو عن تصادم وجود مقابل وجود آخر ودنيا وحياة مع دنيا وحياة أخرى، في الواقع لا وجود لأجوبة يقينية مقنعة لهذه التساؤلات وإن أبدع علماء التاريخ والعقائد في الوصول لأقرب الأجوبة للعقل والمنطق لكنها تبقى غيبية واحتمالية لا يقين فيها إلا بإيمان مفتعل ليصد مزيداً من الأسئلة نتيجة العجز وعدم القدرة.
أسئلة الغيبيات تضرب في سقف العقل والخيال البشري ولا تستطع النفاذ إلى ما هو أبعد من ذلك، فسبحان الله الخالق القادر على كل شيء والذي ليس مثله شيء حين يغتر الإنسان بسعة عقله وخياله، وأنه لأمر يدعو للسخرية حقاً حين يعتقد الإنسان أن عقله قادر على استيعاب عظمة وقدرة القوة اللا متناهية وينسى خلقه وكيف أن وجوده العدمي والدنيوي والأبدي ليس إلا نقطة في بحر من المعجزات المعجزة وفوق هذا يغتر بقدرته على تجاهل حقيقته.