أ.د.عثمان بن صالح العامر
السؤال المطروح في الأوسط الثقافية العالمية منها والمحلية، (هل الأصل المساواة أم المفاضلة، التماثل أو الاختلاف بين الخلق؟، خاصة حين عقد المقارنة بين الجنسين الذكر والأنثى).
وبناءً على مرجعيتنا الشرعية التي هي الأساس الذي ننطلق منه وإليه نعود، فإنني أعتقد أن كليهما أصل.
- فالمساواة مثلاً بين الجنسين في أصل الخلقة، والتكاليف التعبدية على وجه العموم، وإبرام الصفقات الاقتصادية، والتعلّم والتعليم، لا تنفي المفاضلة بينهما في أمور محددة جاء النص عليها صراحة في القرآن الكريم وبين السبب، مع واجب التذكير بأن هذه النصوص تتحدث عن جنس النساء وجنس الرجال ولا يعني ذلك أن نجد من أيٍّ من الجنسين حالات فردية لا تنطبق عليها هذه القاعدة لأي سبب من الأسباب، والعلاقة بين الرجل والمرأة في هذه الحياة الدنيا الأصل فيها أنها علاقة تكاملية لا تنافسية، ولا ينفي أنها في مواطن العبادة تنافسية منافسة حقيقية لا شكلية.
- المفاضلة الربانية ليست فقط في هذه الدائرة الضيقة التي كانت وما زالت حديث الساعة، بل فاضل الله عز وجل بين الرجال بعضهم البعض وكذا النساء، وفاضل بين بني البشر في الرزق الذي هو في النهاية منة من الله وفضل يعطيه الله من يشاء من عباده، وفاضل بينهم بهبة الولد (ذكراً كان أو أنثى) (ويجعل من يشاء عقيماً)، وفاضل بينهم في الأجل، وفاضل بينهم بالهداية، وفاضل بينهم بالشقاء أو السعادة، وهكذا، مع أنهم في الأصل سواسية.
- وفي دائرة الأعراق والألوان الأصل المساواة بين بني البشر قاطبة (لا فضل لعربي على عجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا لأبيض على أسود، ولا لأسود على أبيض إلا بالتقوى، الناس من آدم وآدم من تراب) إلا أن الله فضّل بعض خلقه على غيرهم من الناس، حيث اصطفى من عباده رسلاً مبشرين ومنذرين، وحتى هؤلاء الرسل المصطفين ليسوا سواسية، إذ أن هناك أولي العزم من الرسل، وأفضلهم على الإطلاق محمد صلى الله عليه وسلم.
- وعن الحال فمع أن الكرامة الإنسانية حق لجميع بني آدم بالتساوي إلا أن المسلم مفضل على غيره، والصحيح خلاف المريض، وللمسافر أحكام خاصة به لا يحصل عليها المقيم، وهكذا.
هذا حين الحديث عن جنس الإنسان، مثله في المساواة والمفاضلة، التماثل والاختلاف (الزمان والمكان والحال).
- فمع أن الزمن الأصل فيه المساواة إلا أن يوم الجمعة ليس مثل بقية الأيام، والأشهر الحرم الأربعة تختلف عن أشهر العام الثمانية، وعشر ذي الحجة التي حلّت بساحتنا أمس الاثنين لها خصوصيتها وفضلها في الإسلام، وأفضلها على الإطلاق يوم التاسع من شهر ذي الحجة (يوم عرفة)، والليالي هي كذلك سواسية إلا أن ليلة القدر في شهر رمضان المبارك (خير من ألف شهر).
- وحين الحديث عن المكان فإننا نعتقد ديانة أن الأرض كل الأرض محل استخلاف الإنسان، وجعلت مسجداً وطهوراً، إلا أن أعظم بقعة وأجل مكان على الإطلاق مكة المكرمة خاصة الحرام وعلى وجه أخص الكعبة الشريفة وما حولها، ومن بعدها المدينة حيث الحرم المدني، وثالث المساجد التي لا تشد الرحال إلا لها (المسجد الأقصى).
وعلى هذا فإننا في ضوء مرجعيتنا النصية نجمع بين المساواة والمفاضلة، التماثل والاختلاف في الجنس والعرق واللون والمكان والزمان والحال، والله عز وجل هو وحده (يخلق مايشاء ويختار) وإلى لقاء والسلام.