رضا إبراهيم
يُعرف القلق بأنه إحساس ناتج عن العاطفة المشوهة، ويتسم القلق دوماً بمشاعر التوتر والخوف غير المنطقي أو المفرط، ويمكن أن ينتج عن القلق أعراض جسدية، كمثل ارتفاع ضغط الدم والتعرّق والارتجاف والدوار، وسرعة ضربات القلب والغثيان، والقيء والإسهال وأوجاع بالعضلات والصداع، وصعوبة بالتركيز والأرق والتهيج وغيرها من الأعراض الأخرى.
ويمكن أن يظهر القلق بعدة طرق، بدءاً من شعور غامض بالرهبة المستمرة، إلى خوف محدد يشل الحركة، والقلق هو رد فعل جسدي قوي على الأفكار والتنبؤات والمعتقدات، التي تكون دوماً غير عقلانية أو مفرطة، وعن الأشخاص المصابين باضطراب القلق العام، فهم يعُتبرون أفراداً يعملون ويستمرون في يومهم بشكل طبيعي في ظاهر الأمر، لكن أنماط تفكيرهم وحياتهم الداخلية تصبح فوضوية.
وهم يجدون صعوبة شديدة جداً في الاسترخاء أو التركيز، ويشعرون دوماً بإحباط طوال الوقت، ومن ناحية أخرى يعتبر القلق رد فعل الجسم على المواقف العصيبة أو الخطيرة، أو غير المألوفة، ففي المستويات الطبيعية يُعد القلق شعوراً صحياً، يساعد الفرد على الاستعداد لأي من المواقف المجهولة، من خلال البقاء في حالة تأهب ووعي.
وهناك عدة أنواع من اضطرابات القلق، كاضطراب القلق العام وفي هذا النوع من القلق، يعاني الشخص من إحساس شبه مستمر بالفزع، ليس له تركيز محدد، وخلاله تنتقل المخاوف من موضوع لآخر دون أي اتصال واضح، وبالنسبة للذين يعانون من اضطراب القلق العام، يصبح القلق لديهم مزمناً وتكون حياتهم مليئة بالتوتر، ويتوقعون أسوأ النتائج لأي موقف، كالصحة أو العمل أو الأسرة أو المال ... إلخ، ولا يمكنهم التوقف عن القلق حتى عندما يتم إخبارهم بأن موضوع قلقهم هذا لا يبرر ذلك، ويصعب غالباً تحديد مسببات القلق لديهم.
وقد يتجاهل الأشخاص المصابون باضطراب القلق العام ثبوتهم على أنها مخاوف نموذجية، لكن مخاوفهم في الواقع تكون أكثر قوة وانتشاراً من المخاوف التي نواجهها جميعاً بشكل منتظم، وبغض النظر عن مدى قوتها، فإن هذه المخاوف غالباً ما يكون لها أساس ضئيل أو معدوم في الواقع، وقد يعاني المصابون باضطراب القلق الاجتماعي المسمى بـ (الرهاب الاجتماعي) من خوف غير طبيعي من التفاعل مع الآخرين، والمخاوف من الظهور بالأماكن المزدحمة، والمشاركة في الأنشطة الاجتماعية والتحدث أمام الناس.
علماً بأن التفاعلات الأخرى مع الجمهور، تُعد سمة نموذجية لهذه الحالة الشائعة، وهناك ما يُعرف بـ(الرهاب) الذي يضاعف المخاوف من أشياء معينة، فقد يشعر الشخص بالقلق قبيل التحدث علانيةً، ومن ثم يدفعه خوفه هذا لتجنب المواقف المهمة، الأمر الذي يضر بحياتهم المهنية والشخصية، إضافة إلى نوع آخر من القلق يعرف بـ(اضطراب ما بعد الصدمة) الذي يمكن أن يتطور بعد تعرض الفرد لحدث مؤلم، مثل القتال العسكري أو التعرض لكارثة طبيعية أو جريمة عنيفة، أو اعتداء ما وقع على الشخص نفسه.
وعلى الرغم من أن القلق يتخذ أشكالاً عديدة، لكن كل اضطرابات القلق لها علامات وأعراض معينة مشتركة، تتضمن بعض العلامات التحذيرية الرئيسية لاضطراب القلق من خوف تدخلي، سواءً كان عام أو محدد يحدث بمعظم أيام الأسبوع لمدة (6) أشهر أو أكثر، مع تراجع جودة العلاقات أو الأداء الوظيفي أو الأنشطة الاجتماعية، أو الرضا العام عن الحياة نتيجة لذلك الخوف، ويمكن أن يكون للقلق أيضاً تأثيرات مباشرة على الجسد، فقد يكون لدى الأشخاص ممن يعانون من القلق استجابات جسدية قوية للمواقف أو الأشياء، التي لا تبدو خطيرة أو مهددة في أساسها، وقد تبدو هذه الاستجابات مهددة للحياة في ظل ظروف معينة.
وعلى الرغم من أن القلق والإدمان من الاضطرابات المنفصلة، لكنهما يحملان عوامل خطر مشتركة أهمها الضعف الجيني، والقلق والإدمان يسيران جناً إلى جنب، ينطوي كليهما على عمليات كيميائية بالدماغ، فقد يكون هناك بعض التداخل في المكونات الجينية، التي تزيد من قابلية الشخص للإصابة باضطرابات الإدمان والقلق، التي تعرف بـ(المحفزات البيئية) وتشمل أمثلة مثل الصدمة وسوء المعاملة، وكلاهما يمكن أن يؤدي إلى القلق، وكذلك زيادة التعرض لتعاطي المخدرات، بجانب مشاركة مناطق دماغية متشابهة، لاعتبار عمل الدماغ أيضاً عامل مشترك لكلا النوعين من الاضطرابات، ومناطق الدماغ الرئيسية التي تتفاعل مع المكافأة والتوتر تتأثر بالعقاقير.
وقد تظهر أيضاً عيوب لدى الأشخاص ممن يعانون من القلق، واضطرابات الصحة العقلية الأخرى، وهناك محاولات فاشلة متكررة لحل مخاوف المرء، مثل تعاطي المواد المخدرة أو العلاج الذاتي أو السلوكيات القهرية الأخرى، كالإفراط في تناول الطعام كطريقة للتحكم بأعراض القلق، ويحتمل أن يؤدي تعاطي المراهقين للكحول أو المخدرات، إلى تغيير وظائف معينة بالدماغ، بطريقة تجعلهم أكثر عرضة لتأثيرات العقاقير، وتؤدي إلى اضطرابات القلق.
وبالنسبة لبعض الأشخاص، يمكن أن يدفعهم قلقهم للعلاج الذاتي بالمخدرات، فقد يقبل بعض الأشخاص على تعاطي المواد المخدرة بهدف التغلب على قلقهم، وعندما يتناولون الكحول أو أي مادة أفيونية، فإن ذلك يريحهم ويمنحهم إحساساً مزيفاً بالهدوء، ثم يصبحون معتمدين على المادة بهدف علاج خوفهم، وهناك آخرين يمكن أن يسبب إدمانهم القلق، فالكوكايين كمثال يؤثر على أجزاء الدماغ التي تتوافق مع الإجهاد، بل ويزيد من «هرمونات التوتر» ويشجع على التبعية، ويسهل اضطرابات القلق.
وحول اضطراب استخدام المواد المخدرة، فهو مرض يتميز بالاعتماد على المواد الضارة وآثارها السلبية كالمخدرات أو الكحول، والذي يصيب الدماغ والسلوك، ما يجعل إيقافه من الأمور الصعبة جداً، حيث يؤدي تعاطي المخدرات لفترات طويلة، إلى الاعتماد والرغبة الشديدة، ما يعني أن الجسم بات معتمداً على مادة ما لتؤدي وظيفته التقليدية، ويمكن لتلك المواد المخدرة أن تعمل على تنشيط أنظمة المكافأة بالدماغ، وتنتج مشاعر المتعة والاسترخاء والنشوة.
لذلك يستمر تعاطي المخدرات لتحقيق تلك المشاعر، وعلى الرغم من أنها تبدو نتائج سلبية وخادعة، فقد يتعرض لها الشخص نتيجة تعاطيه المخدرات، لأنه بمجرد أن يعتمد الجسم على مادة ما، فإن التوقف عن استخدامها قد يسبب بعض أعراض الانسحاب غير السارة، ما يظهر حالة يصبح من الصعب جداً التوقف عن استخدامها، عندما يكون الإصلاح السهل لأعراض الانسحاب السلبية، هو استخدام المادة الذي سببت المشكلة في المقام الأول.
علماً بأن تعاطي المواد المخدرة أو الكحول يزيد من آثار القلق، ليقع الشخص في دائرة مفرغة، فبمجرد استخدام المزيد من المخدرات، تتقوى لديه الأعراض الجسدية والنفسية للقلق، ما يجعله يزيد من تناول المخدرات ليعمل بشكل طبيعي، وهذا يؤدي إلى تطوير إجازة تناول المادة، وفي نهاية المطاف يقع في دورة من تعاطي المخدرات، التي تؤدي إلى التبعية الجسدية والإدمان.
والعلاقة بين القلق وتعاطي المخدرات متعددة الأوجه، ففي الفترة الأخيرة، نجح الخبراء في فهم أن القلق وتعاطي المخدرات عمليات تحدث بشكل شائع، والذين يعانون من أحد الاضطرابات، هم أكثر عرضة للمعاناة من الآخرين أيضاً، لأن المخدر يمكن أن يعمل كحل مؤقت لتخفيف لأعراض القلق، فقد يلجأ الأشخاص الذين يعانون من القلق للعقاقير كمحاولة لتهدئة أعراضهم، والذي يؤدي مع مرور الوقت إلى الاعتماد على تلك المواد، ومن ناحية أخرى يمكن أن يكون القلق، أحد الآثار الجانبية لتعاطي المخدرات، ودوماً ما يؤدي تعاطي المخدرات لفترات طويلة، إلى الشعور بالقلق والاكتئاب.
وفي الولايات المتحدة كمثال، واستناداً لمعايير الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية، ظهر أن العلاقة بين اضطرابات القلق وتعاطي المخدرات، أقوى من العلاقة بين القلق واضطرابات تعاطي الكحوليات، ومن بين الذين يعانون من اضطرابات القلق كانت اضطرابات تعاطي المخدرات الأكثر شيوعاً هي تعاطي مادة «الماريجوانا» حيث مثلت نسبة وصلت إلى (15.1) بالمائة، وما نسبته (5.4) بالمائة من تعاطي مادة «الكوكايين»، ونحو (4.8) بالمائة من تعاطي مواد الهلوسة.
وأما تعاطي المواد المسكنة فوصلت إلى (2.6) بالمائة، وحول التشخيص المزدوج أو ما يعرف بـ(الاضطرابات المتزامنة الحدوث) فهو مصطلح طبي يصف وجود تشخيص لاضطراب الإدمان كإدمان الكحول أو إدمان المخدرات أو المقامرة باضطراب القلق، أو أي نوع آخر من مشاكل الصحة العقلية، وبعض العوامل الشائعة بالتشخيص المزدوج للقلق والإدمان، حيث يؤدي القلق إلى إساءة استخدام المواد أو العكس.
وغالباً ما يسبب تعاطي المخدرات العديد من الآثار التي تشبه القلق، وتتمثل بالعصبية والهياج والأرق (اضطرابات النوم) والخوف، وبالمثل فإن بعض الأعراض الشائعة لترك المخدرات، تشمل القلق والأرق، كما وجدت أدلة دامغة على أن الأشخاص المعرضين للقلق، قد يكونون أيضاً عرضة للإدمان، حالة ما إذا كان هناك تاريخ عائلي والمعروف بـ (الاستعداد الوراثي) لدى الشخص نفسه.