يبحر المختص في فنه، ومن أوجه التفنن لمن درس في تخصصات (الأنظمة والقانون) إن لم يكن أساسها المعرفة باللغة العربية.
إذ إن نصف العمل قائم على التحليل الذهني - من خلال المعرفة بالتخصص - ونصفه الآخر بنقل هذا التحليل الى الورق بتعبير حسَنْ وتسلسل منطقي كل ورقة بحسب موضوعها وهذا ما نسميه الصياغة.
مثلما يحاك النسيج في العمل اليدوي فيظهر لنا عملاً فنياً بصورة هندسية فإن الصياغة تكون تعبيراً لما يكمن في الذهن وسَبْكِه بصورة متسلسلة من الناحية الفنية والمنطقية.
العمل على صياغة عقد مثلاً -بعد استيفاء الشروط والأركان التي لا يقوم إلا بها- لا بد أن تكون صياغته جزلة، واضحة في تعبيرها عن إرادة الطرفين، خالية من أي عبارة قد يتخللها غموض أو تفسّر بغير موضع.
في لائحة الدعوى فإن كتابة الوقائع المؤثرة في الدعوى من المهم أن تتسم بالوضوح والتسلسل المنطقي للأحداث دون إدخال تفاصيل غير مؤثرة بالقضية أو اختصار قد يخل بها، حيث إن التناقض المنطقي عند كتابة الواقعة قد يكون بسبب ضعف الصياغة وترتيب الأفكار؛ فيغفل بسببها عن جزء له أهمية أو يسهب فيضيع التسلسل المنطقي وذلك من شأنه إضعاف حجته.
من أحد الحلول الجيدة وأظن أن الغالبية يمارسها كتابة المسَوّدة قبل كتابة أي موضوع؛ لما في ذلك من ترتيب شوارد الذهن وما تبعثر منها، وحين يخرج الكلام من حيز العقل إلى الورق فإنه يكون أكثر وضوحاً بعد كل محاولة، ويمكن للكاتب أن يرى مواطن الزلل بكل وضوح أثناء الكتابة أو مراجعته للمسَوّدة.
بعد ذلك قد يعرض المكتوب لمن هو أهل للثقة لمراجعته مرة أخرى، فيكون له رأي قد يتفق أو يختلف فيكشف ثغرة أو خطأ غفل عنه الكاتب.
وقد يرى بعض الكتّاب أن الصياغة لا تحتاج لعقل آخر للمراجعة، فيقوم بها بصورة منفردة ولا يرجع إلى أحد.
ختاماً أرى أن المداومة على الكتابة بغض النظر عن الموضوع مفيدة للذهن، فهي دُربةٌ له وتصفية وإبعاد للتشتيت.