الرياض - خاص بـ«الجزيرة»:
يعتبر نظام الأسرة في الإسلام من الأنظمة الشاملة الوافية، لأنه نظام طبيعي فطري منبثق من أصل التكوين الإنساني، وعلى الرغم من تعدد المؤسسات المجتمعية التي تسهم إسهاماً فعَّالاً في إكساب الأطفال القيم الأخلاقية، إلا أن الأسرة هي الخلية الأولى في المجتمع.
ومرحلة الطفولة مرحلة مهمة في حياة الأبناء، حيث يشبه الطفل بالصفحة البيضاء التي يسهل الكتابة والرسم عليها، إما خيراً وإما شراً، ومن ذلك استخدام الأطفال الكلمات والألفاظ البذيئة القبيحة التي تتنوع ردة فعل الوالدين عند سماع أبنائهم يتلفظون ألفاظاً قبيحة؛ فمنهم من يستشيط غضباً فيعامل ابنه بأشد وأعنف العقوبات، ومنهم من يميل إلى الضحك والقهقهة أمام سباب وشتائم الطفل، معتقدين أنها حالة تدعو إلى البهجة والفخر، ونوع آخر يحرص على تبيان مساوئ الأمر إلى طفلهم بحكمة وهدوء.
حول استخدام الأطفال للكلمات والألفاظ السيئة، التقت «الجزيرة» بعدد من المختصين في العلوم الشرعية والاجتماعية والطبية ليتحدثوا عن أثر ذلك، وخطورته المستقبلية على الطفل.
غياب العربية
يقول الدكتور صالح بن عبدالعزيز التويجري أستاذ العقيدة بجامعة القصيم:
الكلمات قوالب المعاني. والعجمة الخطيرة حين تفقد التواصل مع القرآن الكريم لأنك لا تعرف معانيه، والنص الشرعي كتاب وسنة عند العربي لا تحتاج إلى ترجمة، والعربية أكثر لغات العالم ثراء وبقاء؛ فكم تغير وتحولت اللغات واللهجات وبقيت العربية كما هي لارتباطها بالوحي المحفوظ، والعربية عالمية بعالمية الإسلام الذي لا يوجد بلد أو لغة ليس فيها مسلم، والعربية حتى الجن يعرفونها، وهي مع النشء أكثر ثباتاً، لذا علموا أولادكم العربية مبكراً قبل أن تزاحمها اللغات، حيث إن من مهددات العربية وسائل التواصل التي هجمت على الخط والحرف؛ فأصبح الجيل رديء الخط سيئ القراءة؛ فقير المعاني، فورة النت وفتح التقنية هدد التحدث الصحيح، وزاحم اللسان الفصيح، وترك فجوة بين الجيل والموروث، وقد حولت التقنية الجيل إلى سماعي ورائي لأنه يسمع ويرى مقاطع وبلغات وحركات نشاز، اللغة تشتكي الغربة في أوساط التعليم؛ فكيف في المحلات التجارية والأسواق ... إلخ، والعالم الإسلامي يتعطش لمعاهد لغة عربية أكثر من توزيع كتب فقهية لأنه يريد المفتاح.
ويوصي د. صالح التويجري بضرورة التحدث بالعربية في بيتك، واكتب واجعل في بيتك لوحة وأقلاماً تدرب الأسرة على اللغة كتابةً وقراءةً، وخفف من مزاحماتها من اللغات الأجنبية والعامية، وتعامل مع الأجنبي بالعربية ليتعود، وليس تكسير عبارات هجين ليست عربية ولا غيرها.
أكتب واصطحب القلم حتى لا تفقد الفن، وإنشاء مسابقات أسرية وطلابية حول اللغة، وتجفيف منابع الأفلام الكرتونية التي أفسدت الذوق واللسان، مع العمل على إصدارات لغوية تحاكي العصر.
التأثر في البيئة
وتشير الدكتورة أمل بنت عبدالرحمن سليم، دكتوراه إدارة تربوية بتعليم جدة.. إلى أن استخدام الأطفال للكلمات القبيحة يعد من السلوكيات الخطيرة التي يجب الحذر منها فأثرها لا ينحصر فقط على سلوك ظاهر، بل يتعدى أثرها إلى أبعد من ذلك، فالأطفال يتأثرون بالبيئة المحيطة من أسرة، وأصدقاء، ومدرسة؛ وهذا السلوك له آثار سلبية على الفرد والمجتمع؛ مما تتسبب في تدهور العلاقات الاجتماعية، والشخصية، والعاطفية للطفل والتي تفقده ثقته بنفسه، وقدرته على التعامل مع الآخرين، وكذلك لها تأثير سلبي على لغة الطفل من حيث تعلمه كلمات غير لائقة للاستخدام مما ينعكس على جودة التواصل الفعَّال مع الآخرين فتجعل منه طفلاً غير سوي نفسيًا واجتماعيًا تشعره بأنه منبوذ فينعكس على تصرفاته مع من حوله من تنمر وعدوانية؛ مما قد يؤدي مستقبلاً إلى حالات من الاكتئاب والانطواء، والميل للعزلة عن الآخرين.
فيجب على الأهل، والمربين توعية الأطفال، وتشجيعهم، ومتابعتهم من حيث تنمية اللغة الراقية، والمهذبة في التعامل مع أطفالهم؛ حتى تنعكس عليهم في تعاملهم مع أقرانهم، وتوجيههم بشكل مستمر على استخدام الألفاظ اللائقة في مختلف المواقف، ولا مانع من طلب المساعدة من الأخصائيين في حالات معينة.
العلاج الفعَّال
ويشير الدكتور ساري دعاس استشاري أمراض الأطفال وحديثي الولادة بمستشفيات الحمادي بالرياض، إلى أنه كثيراً ما يتعوّد الأطفال (حوالي السنة الثالثة)التلفظ بألفاظ نابية لها علاقة طبعاً بما يسمعونه أو يشاهدونه من أشياء قذرة أو قبيحة وهم بذلك يعتبرون أنفسهم ظرفاء وشجعاناً.
وكلما تقدمت بهم السن فإن الأطفال الطبيعيين الذين يختلطون بأطفال آخرين العلاج الفعّال (وهم يجب أن يختلطوا بغيرهم) يتعلمون كلمات الشتائم والكلمات القبيحة، وهم قبل أن يعلموا معاني هذه الكلمات بوقت طويل، يعلمون أنها كلمات تدل على الشقاوة ويكررونها ليظهروا كيف أنهم على علم بأشياء كثيرة في الحياة ولا يخافون أن يكون في أخلاقهم بعض السوء، وكثيراً ما يسبب خروج هذه الكلمات من أفواه الأطفال الأبرياء صدمات لآبائهم عندما يسمعونها منهم؛ فماذا يفعل الأب أو الأم الطيبة في هذا؟ من الأفضل ألا تقفزي فزعًا وألا تبدي أنك قد صدمت صدمة شديدة لما تسمعين حتى لا يؤثر هذا تأثيراً قوياً على الطفل الخجول الرقيق، إذ إن ذلك قد يقلقه ويجعله يخشى مصاحبة الأطفال الذين يرددون تلك الكلمات، ولكن الكثيرين من الأطفال يسرون (ولو سراً) عندما يرون آباءهم وقد أفزعتهم تلك الألفاظ، ويظل بعضهم يردد هذه الكلمات وغيرها في البيت لا لشيء إلا لكي يحصل على نفس الأثر المفزع من الوالدين، أما الآخرون الذين يهددهم آباؤهم بعد استعمال هذه الكلمات فسيبحثون عن أماكن أخرى ليرددوا فيها كلماتهم، وبمعنى آخر إن في هذه التصرفات من الوالدين اقتناعاً للأطفال بأنهم يستطيعون إفزاع العالم بمجرد ترديد بعض الكلمات، وهذا تصرف شبيه بتصرفك إذا قدمت للطفل سلاحاً حقيقياً وقلت له: بالله عليك لا تضغط على الزناد.. إنه قطعاً سيضغط عليه.
ومن ناحية أخرى لا يجوز البقاء على الصمت ونحن نسمع تلك الألفاظ، بل أعتقد أن التصرف الذي تقومين به يجب أن يكون على هذا النحو: اتركي طفلك يستمتع بعض الوقت بترديد كلماته القبيحة ما لم تكن فظيعة جداً (ثقي تماماً أنه لا يعرف معناها الحقيقي)، ولربما تبتسمين قليلاً لتريه اكتراثك ثم غيري فوراً موضوع الحديث وذلك كلما ردد الطفل هذه الكلمات، وإذا لم ينجح هذا في القضاء على ترداد الطفل لهذه الكلمات أو إذا ابتدأ يردد كلمات تسيء إلى الناس والجيران إساءة بالغة فيجب أن تخبريه بهدوء ووضوح أن كثيراً من الناس لا يحبون أن يسمعوا هذه الكلمات إطلاقاً وأنك لا تحبين أن تسمعيها كذلك منه وعليه أن يتجنبها.