م.عبدالمحسن بن عبدالله الماضي
1 - مصطلح «النخبة» مصطلح حديث.. فأول ما ذُكر عنه كان قرابة منتصف القرن التاسع عشر.. أما في القرون الأولى فقد سماهم الإغريق بالنابهين.. وسمتهم المجتمعات الأخرى بأسماء قريبة من ذلك.. وشملت هذه المسميات المتميزين في المجتمع سياسياً واجتماعياً واقتصادياً وقبلياً ووظيفياً ... إلخ.
2- أول تعريف لمصطلح النخبة ورد في (قاموس أكسفورد) عام (1823م) لكنه لم يستخدم بشكل واسع في الأدبيات الاجتماعية إلا في أواخر ذلك القرن.. وتم ربط النخبوية حينها بمؤشرات التمايز بين الأفراد، كمستوى الذكاء والمواهب الشخصية الإبداعية وسلوكياتهم الأخلاقية.. ثم أضيفت إليها معانٍ أخرى مثل الطبقة الحاكمة والإقطاعية والثرية والسياسية.. ثم تم التوسع في تفسير النخبوية وشمل معاني مثل تَحَكُّم الأقلية بالأغلبية.. أو تلقي التقدير العالي من العموم.. أو الأفراد الذين لهم تأثير عميق في المجتمع.
3- النخبوية يمكن أن تكون عملية متوارثة كالحُكْم والثراء.. ويمكن أن تكون مكتسبة كالصعود والترقي السياسي أو العلمي أو الثقافي أو الاقتصادي.. لذلك النخبويون أقلية لأنهم الخلاصة أو العصارة أو الفئة المنتخبة من الأكثرية.
4- بعض علماء الاجتماع يحصرون النخبوية في امتلاك القوة وبالذات قوة الحكم.. بينما يرى (ماركس) أن القوة تكمن في تَمَلُّك وسائل الإنتاج.. فحَوَّلها بذلك من نخبوية الحكم إلى نخبوية اقتصادية.. وأن النخبوية ما هي إلا دوائر عليا تتبادل المنافع والدعم وتدير شؤون المجتمع وتؤثر في حياته.
5- النخب اليوم هم الطبقة العليا في المجتمع.. فالفرد يعد من النخبة حينما يرتفع مقامه ومستوى تأثيره.. وسعة عدد الذين يعرفونه.. وترى أطياف المجتمع أنه من طبقة أعلى من العموم.
6- المجتمع وعاء كبير تتفاعل داخله عناصر الثقافة والاقتصاد والدين والسياسة والتعليم والأعراف والتقاليد، وكلها تنتج مفاهيم وقيماً تميز مجتمعاً عن غيره.. فالصعود الاجتماعي (المؤدي للنخبوية) يتأثر بنشاط الفرد وذكائه كما يتأثر بالظروف الاجتماعية.. أيضاً يتأثر بانفتاح النخب أو انغلاقها الذي يعتمد على الأنظمة السائدة.. فالنظام الرأسمالي مثلاً يسمح بحركة أكبر وأوسع بين المستويات الاجتماعية بخلاف الأنظمة الشمولية كالشيوعية والآيديولوجية.
7- نشوء النخب أو سقوطها له أسبابه القديمة والحديثة: منها ظهور مصدر جديد للثروة، أو ازدياد أهمية نوع معين من المعرفة، أو ظهور دين جديد، أو انتشار أفكار جديدة.. هذه الحالات تُعَرِّض النخب القائمة إلى التفكك والانحسار وتَصْعَد بنخب جديدة.. ولعل فترة عصر النهضة الأوروبي هي أفضل نموذج لصعود وانحسار النخب.. فظهور تجار المدن في القرن الحادي عشر، ونمو التجارة الدولية في القرن السادس عشر، والثورة الصناعية في القرن الثامن عشر تعد من أبرز الأمثلة على ذلك.