سارا القرني
لبيك اللهمّ لبيك.. لبيك لا شريك لك لبيك، إنّ الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك، بهذه التلبية العظيمة امتلأت جنبات المشاعر المقدسة والطرق المؤدية إليها من الحجيج القادمين من كلّ بقاع الأرض، وبالتهليل والتكبير والإذعان والخضوع لله وحده لهجت ألسنتهم، بمنظرٍ تقشعرّ له القلوبُ قبل الأبدان، وتتمنى النفسُ لو كانت منهم تنهل من رحمة الله وتصبح ممن يباهي الله بهم ملائكته وعباده، ونسأل الله لهم ولنا القبول.
الحجّ شعيرةٌ عظيمةٌ من شعائر الله، ولأنها كذلك.. فإنّ المملكة العربية السعودية تولي ضيوف الرحمن أهمية خاصةً واستثنائية، لأنهم في ضيافة اللهِ قبل أن يكونوا في ظلّ الدولة، فترى الجميع يعملون على راحة الحجيج وتلبية حاجاتهم دون تردد، قبل مغادرتهم بلدانهم عبر مبادرة طريق مكة، وحتى مغادرتهم إلى بلدانهم سالمين مقبولين بإذن الله.
كنتُ في حديث مع إحدى الصديقات التي أعرفها خارج المملكة.. وفي معرض الحديث أخبرتني أن والدتها تتمنى الحجّ لكن لا تستطيع لأنها مريضة بالقلب شفاها الله، فسألتها بعفوية ما المانع من الأداء إذا كانت مريضة قلب؟ ففاجأتني إجابتها بأنّ إحدى الاشتراطات التي تمنحها حق الحج هي أن لا تعاني من مشاكل صحية مزمنة، فقلتُ دون تردد «هذه اشتراطات من»؟ فأجابت أنها اشتراطات الحج.
ولإيضاح الفكرة لصديقتي بيّنت لها أنّ المملكة لا تمنع أيّ شخص يعاني أمراضاً مزمنة من أداء فريضة الحج طالما حالته مستقرة ويحمل تقارير تدعم ذلك وتبين نوع الأدوية المستخدمة حتى تسهل خدمته في المشاعر المقدسة، وإلا لخلت مستشفيات مكة من عمليات القلب المفتوح والقسطرة وغسيل الكلى وزراعة الأعضاء وغيرها، حيث إنّ الإحصائيات قبل بداية الحج تشير إلى عمل 124 عملية جراحية للحجاج من عدة جنسيات منذ بداية موسم الحج, شملت عمليات القسطرة القلبية, والقلب المفتوح, وعمليات الجراحة العامة، وتخصيص صالة معدّة لعمل 40 جلسة غسيل كلى يومية، عدا الجراحات المختلفة والتنويم والعناية الفائقة، وكلّ ذلك ولم يصل الحجاج إلى مكة بعد.
وما أجمل أن تري قوافل الإسعافات المجهزة خصيصاً بأحدث الوسائل لنقل الحجاج الذين تلزمهم رعاية خاصة من مستشفيات مكة إلى عرفات وقافلة صحية من المدينة المنورة إلى المشاعر المقدسة، وما أجمل أن تعرفي أنّ الهلال الأحمر يتجهز للحج بحوالي 8 ملايين قطعة لضمان رعاية شاملة للحجيج في كل بقعة من المشاعر المقدسة، وما أجمل أن تري 8 مستشفيات موسمية خاصة فقط في منى ومزدلفة وعرفات عدا أكثر من 20 مستشفى في مكة ميدانية وغير ميدانية يساندها 140 مركزاً صحياً مسخرة ومجهزة لاستقبال كل الحالات الصحية مجاناً، وأنّ الخدمات الصحية في وزارة الدفاع حاضرة في الموسم بعدد 14 مستشفى ومركزا صحيا في المشاعر المقدسة والمدينة المنورة لخدمة الحجيج، وبأكثر من 32 ألف ممارس صحي تتجهز المملكة للعناية بضيوف الرحمن، فعن أيّ منع تتحدثين يا صديقتي؟.
لقد امتلأت فخراً وأنا أسرد بعضاً من خدمات وطني الحبيب تجاه ضيوف بيت الله العتيق، وما الزهوُ بما يقدمه الوطن منّة وتفضيلاً لنا على أحد، بل شكرٌ لله على ما أنعم به على هذه البلاد، وسخّر ولاة أمرها لخدمة الدين والأمة الإسلامية، ويكفينا شرفاً وعزة أنّ ملكنا خادم الحرمين الشريفين، وأنّنا نشهد عاماً بعد عامٍ قفزة نوعية في خدمة بيت الله والاعتناء بضيوفه، فاللهمّ تقبل، وكلّ عام وأمة الإسلام بخير.