فضة حامد العنزي
أتحب الحياة الطيبة وتريدها وتخشى الهلاك؟!
إذن أيها المدمن؛ أيتها المدمنة: يحدث أنكما تريدان تعبكما بالمخدِّرات إما لجليس سوء، وإما لجهل، وإما لغفلة، وإما لعلّة، وإما لأسباب أخرى، فاختاروا الجليس بتأنٍّ؛ لتعرفوه أكثر وتقيسوا مدى صلاحه وحلمه، واتركوه على عجل إذا عُرف عنه وقوع الضرر. العجيب أن المخدِّرات قلَّ الجُهّالُ بأضرارها، ووعى المغفلون أخطاءهم، وتشافى أصحاب العلل من أمراضهم بعدما لُقِّنوا درسًا قاسيًا وذاقوا تجرِبة مريرة؛ فما لكم منغمسين انغماسًا في المعاصي في طريقها؟! ألا تتعظون؟!
قال تعالى: {وَيَومَ يَعَضُّ الظّالِمُ عَلى يَدَيهِ يَقولُ يا لَيتَنِي اتَّخَذتُ مَعَ الرَّسولِ سَبيلًا(27) يا وَيلَتى لَيتَني لَم أَتَّخِذ فُلانًا خَليلًا(28) لَقَد أَضَلَّني عَنِ الذِّكرِ بَعدَ إِذ جاءَني وَكانَ الشَّيطانُ لِلإِنسانِ خَذولًا} (29) سورة الفرقان.
وعن أبي هريرة، عن النبيِّ -صلى الله عليه وسلم-، قال: «المَرْءُ على دِينِ خَلِيلِه، فَلْيَنْظُر أَحَدُكم مَنْ يُخاللُ». أخرجه أبو داود، والترمذي، وأحمد واللفظ له، وحسنه الألباني.
وعن أَبي موسى الأَشعَرِيِّ: أَن النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «إِنَّما مثَلُ الجلِيس الصَّالِحِ وَجَلِيسِ السُّوءِ: كَحَامِلِ المِسْكِ، وَنَافِخِ الْكِيرِ، فَحامِلُ المِسْكِ إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ ريحًا طيِّبةً، ونَافِخُ الكِيرِ إِمَّا أَن يَحْرِقَ ثِيابَكَ، وإمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا مُنْتِنَةً». متفقٌ عَلَيهِ.
أرجوكم عودوا إلى الله.. إنكم تعلمون يقينًا -كما نعلم نحن- أن الله يريد نجاتكم، وفي ذلك ربح الأتقياء في مخافتهم من عقابه ونجوا بتقواهم -جعلَنا اللهُ منهم-، فكونوا كما يريد الله بفعل الطاعات وتتبُّع مرضاته دائمًا؛ لتنجوا بعفوه ومغفرته بفضل منه، وإن حصل قصورٌ فكونوا مجاهدين أنفسكم ألا تقعوا فيما يُغضِب الله بتتبُّع خطوات الشيطان، وطرق المعصية ومسبّباتها التي تدفعكم فتزلّوا بعد عقل وثبات، ويكون لسقوطكم صوتٌ مدوٍّ.. فاحرصوا على أنفسكم ودينكم ونجاتكم في الدنيا والآخرة، واتركوا الشقاء المدمِّر وتعالجوا من آثاره المَقيتة، وجمِّلوا حياتكم بذكر الله وتقواه ومخافته ورجائه.
أرى أن النشء ركيزة مهمة يجدر بنا توعيتهم مبكِّرًا عن مخاطر المخدِّرات بأنواعها، ومدى تأثيراتها وأضرارها؛ كيلا يقعوا في أيادٍ لا تخاف الله في تدميرهم وعدم مراعاتهم، وضبابية رؤية مصلحتهم المثلى، وعدم الأخذ بالحسبان مستقبلًا زاهرًا واعدًا صالحًا كريمًا لهم؛ كيلا يقعوا بها في طفولتهم مجبَرين جاهلين، أو عند وصولهم لمراحل الطفولة المتأخرة وسنّ المراهقة، فذلك من الأهمية بمكان، خاصة عند بدء اختلاط الأفراد والأصحاب واتساع دائرة العلاقات للمرء كلَّما تقدَّم العمر، وأيضًا حتى لا يقعوا فيه كبارًا متأخرين متأثرين.
فالنشء هم -غدًا- المستقبل، والمستقبل هو حاضرنا الآن الذي به يبدأ رسم مستقبلنا الذي نطمح أن يكون باهرًا؛ لذا علينا توعيتهم من الآن دون توانٍ؛ لنشر السلام والأمان ونيل السعادة والاستمتاع بالحياة الطيبة والعمل للآخرة المبتغاة في مرضاة الرحمن.. وهو القائل سبحانه وتعالى: {وَاعبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشرِكوا بِهِ شَيئًا وَبِالوالِدَينِ إِحسانًا وَبِذِي القُربى وَاليَتامى وَالمَساكينِ وَالجارِ ذِي القُربى وَالجارِ الجُنُبِ وَالصّاحِبِ بِالجَنبِ وَابنِ السَّبيلِ وَما مَلَكَت أَيمانُكُم إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَن كانَ مُختالًا فَخورًا} (النساء: 36)؛ كل ذلك يرجى والكثير من المحاسن والأعمال والطاعات التي يفعلها الإنسان المستقيم على دين الله المتّبع لأوامره المتجنّب لنواهيه؛ الإنسان الذي لا يؤذي أحدًا ويكون محسنًا للناس؛ متّبعًا لهدي رسوله محمد -صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين-.
وأرى -أيضًا- أن الاحتراز من مشكلة المخدِّرات قبل وقوعها أهمّ من أن يأتي النصح والإرشاد ونشر الوعي والبحث عن سبل العلاج بعد وقوع المشكلة والسقوط في فخّ المخدِّرات والسير في وحل الرذيلة، وهو وحل زلق وعر يصعب الخروج منه دون عزيمة؛ فالنجاة منه أسهل من الدخول فيه في بداياته وأصعب مرتين من آثاره المتأخرة، ولا شك في أن التوعية بعد الوقوع في المخدِّرات أيضًا مهمة.. في أن تسلك أيها المتعاطي طريق العلاج دون تردد وخوف وخجل وحرج في تصحيحك لنفسك ومداواتها وعلاجها، وهذا ليس مستحيلًا تمامًا.. الذي يؤلم بقاؤك مكتَّفًا بقيود المخدِّرات، لهذا عليكم ألا تقلقوا أيها المتعاطون؛ فحلُّ المشكلة ينشأ -بفضل الله ورحمته- من العقل الواعي الراجح الذي إذا أدرك الخطر بعد وترك مسارًا كهذا يجلب المشكلات المتعددة المتفرعة التي لا يردعها ويبعدها إلا تقوى الله ومخافته ورجاؤه والعزيمة القوية وصحبة الأخيار ووجود القدوة الحسنة والبيئة المناسبة والمحيط السليم، وسماع النصح الليّن من الأبرار والقيام بالأعمال والطاعات أدومها وإن قَلَّ، وكل ذلك مقدور عليه وأسلم من الانغماس في وحله، وعلى الرغم مما قلته في بيان كارثة التعاطي وصعوبة الترك لدى البعض فإني أقول للمتعاطي: لا تفكر بالصعب والأصعب، وثق بالله وفي الله ولله بالسهل والأسهل، واطلب العون منه سبحانه وادعه لنجاتك، وخلاصك من ذلك السمّ الزعاف المُهلِك، وعليك بتوحيد الله خالصًا من قلبك، وبالتعلق فيه، والإيمان العميق، ومخافته، والرجاء فيه والصلاة وعمل الأعمال الصالحة.. مع التواصي بالحق والصبر والرضا، ولتعلم أنه مهما وقعت عليك المصائب فأنت في اختبار؛ فلا تيأس وكن محسنًا الظنَّ بالله؛ فالله عند ظن عبده به إن ظنَّ خيرًا فله، وإن ظنَّ شرًّا فله؛ وكن وابْقَ واستمِرَّ محسنًا لظنك بالله حتى عند مجيء أمورك على غير ما تريد، ولتكن ترضيك قناعتك بأن ذلك خير ربما تدركه أو لا تدركه؛ فالله أعلم وأحكم؛ والأمل به باقٍ؛ وكل تلك الأمور -وأكثر- هي في غاية الأهمية؛ فضعها في قلبك وفكرك ولا تتركها فتخسر.
وفي وقتنا الراهن انطلقت -ولله الحمد- الحملة الأمنية المشتركة لمكافحة المخدِّرات؛ وذلك من خلال إطلاق حملة «الحرب على المخدِّرات» وهي حملة مباركة مكثفة الجهود بدعم من القيادة السعودية -أيدها الله- لتتكاتف الجهود سواء من الجهات الحكومية أو الأهلية ذات العلاقة والقطاعات المعنية في الدولة وذات الصلة وبين المواطن وتعاون الشعب بأكمله والمقيمين في التصدي لآفة المخدِّرات ومعرفة مصادرها وقطع سبلها، وإيقاف بث سمومها والتبليغ عن مروِّجيها ومتعاطيها للحد من الأضرار الناجمة التي دمرت الكثير، أولها: إضرار الإنسان بنفسه وأسرته وتفكُّكها ومَن هم في دائرة علاقاته ومحيطه؛ ويصل الأمر لمجتمعه وعالَمه أيضًا، ومن الضرر -أيضًا- استنزاف المال في غير محله مسبِّبًا إضرارًا عليه نفسيًّا وجسديًّا وصحيًّا وعقليًّا، والعجب ممن ظل مستمرًّا في هلاكه وهو يعلم -يقينًا- أنه طريق خاطئ من أساسه لا فائدة منه البتة! ولكن كانت أسباب الوقوع في ذلك أقوى منه لضعف نفسه عشرات المرات؛ ولاتباعه لهواه وشهواته التي لا تتوافق مع تعاليم ديننا الإسلامي الحنيف وأخلاقه وقيمه العالية؛ فالقوي التقي لا يقع فيها، ولو قلت أنت: إن الظروف الصعبة هي التي كانت وراء وقوعي في المخدِّرات..