المفقود والمولود: الحاج قديمًا كان يُعرف بأنه (ذاهب مفقود، والعائد منهم مولود)، لأن السفر كان بمثابة (عذاب)، لمشقة الطريق ووداع الأهل والفراق، لعدم وثوقهم ويقينهم بأنهم سوف يعودون إليهم، وذلك بسبب المخاطر التي كانوا يتعرضون لها من أعمال السلب والنهب والاحتيال، وعلى مدى التاريخ كان المسلمون الأوائل يستعدون لرحلات الحجاج من كل حدب وصوب، قبلها بأشهر عدة ومنها ما كان قديمًا يبدأ استعداداً للحج بعد انتهاء عيد الفطر المبارك، بل ومنهم من يستعد لها بأعوام في قوافل..
قوافل وطُرق بلا أمن: لـ{مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً}، حتى تصل بسلام بعد عناء ومشقة الطريق للوصول لبيت الله الحرام، تتطلب مالًا وجهدًا يبلغ أضعافًا مضاعفة ما يبذله الحجاج في هذا الزمان، وكان لكل قافلة طريق وخط سير وبرنامج رحلة تختلف عن غيرها من القوافل في رحلات بحرية وبرية شاقة من أوروبا وإفريقيا وآسيا مُتجمعين في مركز واحد للانطلاق معًا كقوة تأمن قطاع الطرق وشرارها، ووعورة الطرق ورمال الصحراء، ومفترساتها أو من الكوارث الطبيعية مثل السيول والأمطار، وخاصة في أوقات ظهور الفتن في الدولة الإسلامية، واختلاف الأمن بسبب الحروب وتعديات القبائل على الطرق.
الرحالة وثائق لرحلات الحج: لقد وثقت كُتب التاريخ أدق تفاصيل الرحلات، فوثق العالم انطباعاتهم وما شاهدوه في رحلتهم لأرض الحرمين الشريفين والمراسم التي كانت تُقام عند توديعهم واستقبالهم، أشهر الرحالة العرب وأولهم: (ابن بطوطة، وابن جبير، والإدريسي، والمقدسي، وأحمد بن فضلان، وأحمد بن ماجد)، لكن جاء العلم ومخترعاته ليختصر الجهد والمشقة من مشقة الشهور ذهابًا وإيابًا لرحلة اختُصِرت في ساعات، بعدما كانت وسيلة النقل الرئيسة آنذاك هي الإبل، و تعددت طُرق الحج التي كان يسلكها حجاج بيت الله الحرام، وشهدت وسائل التنقل على مر العصور تطورًا كبيرًا ومختلفًا لثماني وسائل تنقل رئيسة للحج والعمرة أو التجارة، حتى اختراع القاطرات والسيارات ثُم الطائرات، فكانت الأولى: عن طريق بلاد المغرب الإسلامي والتقائها بالطريق المصري، الثانية: طريق الكوفة، ثُم الطريق اليمني الداخلي، ورابعتهم: الطريق العُماني، والخامسة: طريق البصرة، السادسة: طريق الحج المصري، السابعة: الطريق الشامي، وأخيرًا الطريق اليمني الساحلي.
ملوكنا ورؤية الأمن للحجيج: وكانت شبه الجزيرة العربية إلى وقت قريب قبل توحيدها على يد المؤسس الملك عبدالعزيز، إمارات مُتنافرة، غير مستقرة يسودها الغزو ونهب من يمر بالقرب منهم حتى ولو كانوا من حجاج بيت الله الحرام، فاهتم الملك عبدالعزيز - رحمه الله - بسلامة الحجاج، حيث كانت قوافل الحجاج خيطًا واحدًا لا ينقطع.. ليكون الأمان من حينها غاية الملوك العظام حتي يومنا هذا، فاليوم يفد أكثر من 3 ملايين حاج إلى مكة والمدينة، بمختلف أنواع الرحلات براحة وسهولة ويُسر، وفي خدمتهم رجال حملوا مشعل الرؤية الحكيمة مساهمة في حماية حجيج ضيوف الرحمن من قوات أمن الحج بأكثر من 100 ألف رجل أمن من وزارة الداخلية، وغيرهم من مجموعة القوات المساندة من وزارة الدفاع والحرس الوطني والمُتطوعين والمواطنين.
عيدا المُسلم: هدية ربانية، غير أن الأضحى قد اكتمل فيه الإسلام بنزول آخر آية على نبينا الكريم- صلى الله عليه وسلم- باكتمال دينه الحنيف، يوم الحج الأكبر وخُطبتها الوراقة في حجة الوداع، يوم عرفة، ليتأكد للخلق والخلائق أن عيدًا بالحياة الدُنيوية مُتصل بعيد الحياة الآخرة، ليعيش المُسلمُ شهره الهجري بنفحاته العشر المباركات من ذي الحجة وبه يوم التروية وعرفة، فما أجملهُ الخالق في إبداع خالقه الذي صور بعبقريته الفنية وتعابيره الخاصة لوحات تتجلى بجمال الصورة الظاهرة المدركة بعين الرأي وجمال الصورة الباطنية المدركة بعين القلب، جمعهم منهل واحد يستلهمون منهُ ما رغبوا، في روائع من اللوحات الفنية التي سجلت لحظات رحلة العمر إلى بيت الله الحرام..
رحم الله ملوكنا الكرام - من مات منهم- وأطال الله في عُمر خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان وولي عهده صاحب الرؤية البينة الأمير محمد بن سلمان -حفظه الله- ودورهم في أمن وأمان وضيافة ضيوف الله، و-عساكم من عواده- وأهلًا أهلًا بالعيد، «ياليلة العيد أنستينا وجددتي الأمل فينا» وكلكم بخير وبركة.