رضا إبراهيم
هناك اتفاق شبه كامل بين علماء النفس والاجتماع حول تعريف الشائعات، وذلك بالتأكيد على أنها مفهوم يتضمن نوعاً من البيانات، لم يتم التأكد من صحتها، إضافة لذلك فقد حدد بعض العلماء الشائعات باعتبارها مجموعة فرعية من الدعاية، الذي يُعد مفهوماً آخر يصعب تحديده، حيث عرفها في عام 1927م رائد الدراسات الدعائية وعالم الاجتماع الأمريكي هارولد لاسويل (1902 - 1978م) بأنها تشير فقط إلى التحكم في الرأي من قبل الرموز المهمة، أو للتحدث بشكل أكثر واقعية وأقل دقة، عن طريق القصص والشائعات والتقارير والصور وغيرها من أشكال التواصل الاجتماعي.
ويُنظر دوماً إلى الشائعة على أنها الحصول على خبر أو معلومة، تتعلق بموضوع ما أو حدث أو قضية ذات اهتمام عام، سواءً بالسمع أو الرؤية أو القراءة، وذلك دون التحقق منها، وفي كثير من الأحيان تتم مناقشة الشائعات أيضاً فيما يتعلق بالمعلومات المضللة والأخبار الكاذبة، لذلك يُنظر إلى الشائعات على أنها أشكال معينة من مفاهيم الاتصال الأخرى.
وهناك ثلاث خصائص أساسية تنطبق على الشائعات، الأولى تنتقل عن طريق الكلام الشفهي، بينما الثانية توفر معلومات حول شخص ما أو حدث ما أو حالة، في حين تعبر الخاصية الأخيرة عن الحاجات العاطفية للمجتمع ومدى سعادته بها، كما تعني الشائعة استخدام العدو أو الخصم وسائل الدعاية أو غيرها من الوسائل النفسية، للتأثير أو لإرباك التفكير وتقويض الروح المعنوية، والشائعة على ارتباط وثيق الصلة بمجموعة من الظواهر الاجتماعية والتنظيمية، بما في ذلك الإدراك الاجتماعي وتشكيل المواقف والحفاظ عليها، والتحيز والقوالب النمطية، وديناميات المجموعة والعلاقات بين الأفراد وبين المجموعات، والتأثير الاجتماعي والثقة التنظيمية والتواصل.
وبالحديث عن الشائعات المتشددة، فهي تهدف لتقويض ولاء الجماعة أو العلاقات الشخصية، كما وجد أن نقل الشائعات، قد يكون انعكاساً لعملية تفسير جماعية، ولا شك في أن الشائعات التنظيمية وعلى عكس شائعات الكوارث الطبيعية، تميل دوماً إلى أن تكون دقيقة جداً، لتأثر الدقة بالعوامل المعرفية والتحفيزية والظرفية والجماعية، والشائعات تعد سمة دائمة للمشهد الاجتماعي والتنظيمي، كونها تجذب الانتباه وتثير المشاعر وتحرض على المشاركة وتؤثر في المواقف والأفعال، وهي موجودة بكل مكان مثلها مثل الأخبار، فالشائعة ذات أهمية حالية أو موضوعية، وتعد بشكل عام مهمة.
ولكن على عكس الأخبار لا يتم التحقق منها أبداً، فقد يكون المشاركون على دراية أو لا يكونون على دراية بأساس الشائعات غير المستقر، وقد يعتبرونها حقيقة، ومع ذلك فإن الدليل الداعم المشكوك فيه أو الناقص، هو سمة أساسية محددة للشائعات، وفي العادة تتم مناقشة الشائعات من قبل الأشخاص الذين يحاولون فهم موقف غامض أو إدارة تهديد جسدي أو نفسي، وفي مواجهة الوضع الغامض الذي يكون فيه معنى الأحداث الجارية غير واضح، أو احتمال وقوع أحداث مستقبلية غير مؤكد، ليملأ الناس فراغ المعلومات لديهم، بسيل منهمر من المضاربة والمناقشة والتقييم، ومثل هذه المحاولات الجماعية لصنع المعنى، توظف الشائعات على اعتبارها فرضيات عمل، وقد تساعد الشائعات هؤلاء الأشخاص أيضاً على إدارة التهديد الجسدي أحياناً، عن طريق تحذيرهم حول كيفية تجنب حدث سلبي محتمل في المستقبل.
مثل التحذير باقتراب تسونامي أو بقرب ظهور وباء ما تفشيه سيؤدي إلى الهلاك، وفي كثير من الأحيان توفر الشائعات بشكل مبسط إحساساً نفسياً بالسيطرة على التهديد، من خلال المساعدة على فهم الأحداث السلبية وتفسيرها، وقد تساعد الشائعات أيضاً في إدارة التهديدات، التي يتعرض لها الحس النفسي للفرد، عن طريق الانتقاص من المجموعات التي لا يرتبط المرء بها، لأن إحدى طرق بناء الذات هي التقليل من شأن الآخرين، وقد تؤدي الشائعات بالطبع أكثر من وظيفة من هذه الوظائف، كما هو الحال عندما يناقش الناس الشائعات لفهم موقف يمثل تهديداً بطريقة تقلل من شأن مجموعة اجتماعية أخرى.
ما يعني أن الشائعات هي ما يفعله الناس بشكل جماعي، عندما يجدون أنفسهم في ظروف غير واضحة أو يحتمل أن يكونون مهددين، ويتم الخلط في أحياناً كثيرة بين الشائعات وبين «القيل والقال» أي النميمة، لكن هناك اختلافات مهمة فيما بينهما، ففي الوقت الذي تبدو فيه الشائعات معلومات غير مؤكدة يتم تداولها لفهم وإدارة التهديد، فإن النميمة عبارة عن محادثة اجتماعية تقييمية حول الأفراد، التي قد يتم التحقق منها أو لا يتم التحقق منها، والنميمة عبارة عن محادثة «خاملة» حول فرد غير موجود عادةً، يكون محتواها غالباً افتراءً شخصياً، على الرغم من كونها ظاهرة اجتماعية مهمة، إلا أن الحديث عن النميمة يُنظر إليه على أنه أقل جدية وأهمية من حديث الشائعات الذي لا يتم التحقق منه أبداً.
والنميمة تميل إلى تقوية الروابط الاجتماعية بين «المتحدث والمستمع»، حيث يشعر المستمع بأنه يتمتع بامتياز من الداخل، والنميمة في نفس الوقت تضعف المكانة الاجتماعية للمتحدث أي الشخص «النمَّام»، وبذلك يمكن أن تكون النميمة نوعاً من أنواع العدوان، الذي غالباً ما يهاجم علاقات شخص آخر، ويستبعد الهدف من المجموعة، وكل ما ورد يعني أن هذه الأشكال من الخطاب الإنساني غير الرسمي لا تقع في بعض الأحيان بدقة ضمن فئة أو أخرى، لكن الشائعة تمتلك بنية سردية وترفيهية.
وقد يؤدي نقل الشائعة أيضاً إلى تحبيب المتحدث لدى المستمع، ونقل الأعراف الأخلاقية، وإلى احتواء الافتراء على طرف ثالث غائب، وتوجد أشكال غامضة ووسيطة بشكل عام بين كليهما، إذ تميل الشائعات والنميمة والأساطير الشعبية إلى امتلاك الصفات المتباينة، فالشائعات عبارة عن ادعاءات، لم يتم التحقق منها أثناء تكوين الحس الجماعي وإدارة التهديدات، لكن النميمة هي عبارة عن محادثة اجتماعية تقييمية، والأساطير الشعبية هي روايات مسلية، والنميمة تعمل أيضاً على نقل وتعزيز المعايير الاجتماعية للمجموعة عن طريق المقارنة، وفي نفس الوقت تختلف الأساطير الشعبية سواءً كانت قديمة أو حديثة، عن الشائعات في محتواها المميز وفي وظيفتها وسياقها.
في حين أن الشائعات عبارة عن ادعاءات لم يتم التحقق منها، ويتم تداولها في جهد جماعي لصنع المعنى، فإن الأساطير الشعبية تقدم قصصا مسلية، تحتوي على موضوعات تتعلق بالعالم البائد، وهي أساطير تكون في كثير من الأحيان مضحكة ومسلية، أو مثيرة للاهتمام، تهدف إلى تعليم مستمعيها درساً ما أخلاقياً، والأسطورة الشعبية أولاً وقبل كل شيء تحكي قصة ذات خلفية وأحداث وحبكات للإثارة ثم الخاتمة، بينما تكون الشائعة دوماً ما، مكونة من جملة قصيرة أو سطر واحد، أي أنها لا تكون معقدة أبداً لعدم إثارة التساؤلات، ومثلنا ذكرنا فالأساطير الشعبية تكون دوماً مسلية تحكي حكاية أخلاقية، لكن الشائعات لم يتم وضعها في المقام الأول للترفيه، والتعبير عن المعايير أو نشرها.
إضافة إلى أن الأسطورة الشعبية تكون مهاجرة بشكل مميز، أي إن تفاصيلها تختلف من وقت إلى آخر ومن مكان إلى آخر، ومع ذلك قد تظهر الأساطير الشعبية على أنها شائعات محددة، ومن خلال عدد من الأنماط المختلفة، تم تصنيف الشائعات وجرى تجميعها حسب الموضوع، مثل الشائعات (العرقية والكوارث والتنظيمية والسياسية والاقتصادية) وغيرها، وكلها تصنيفات تعمل حسب الجمهور المستهدف، أو المجموعة التي يتم تداول الشائعات من خلالها، فنرى كمثال انتشار الشائعات التنظيمية الداخلية بين الموظفين والبائعين، وأصحاب الأسهم المرتبطين بإحدى المؤسسات، ومع نشر الشائعات الخارجية بين عامة الناس خارج المؤسسة، يتم تصنيفها حسب موضوع الاهتمام الجماعي لجمهور الشائعات.
بينما تنتشر شائعات سوق الأسهم بين المساهمين، ممن يرغبون في الاستفادة من تغيير قيم الأسهم، وغالباً ما تتعلق شائعات التغيير التنظيمي، حول ما إذا كان التغيير سيكون له فاعلية أو دون ذلك، ومدى تأثيره في ظروف العمل، وربما يكون تصنيف الشائعات الأكثر انتشاراً هو «التوتر التحفيزي» بينما تدور شائعات الخوف حول أحداث سلبية محتملة، مثل سماع أن الإدارة سوف تقوم بتسريح آلاف من العمال.
وأما عن شائعات الرغبات، فهي تدور حول الأحداث الإيجابية المرغوبة، بينما تؤثر الشائعات السلبية بشكل خاص، في مجموعة متنوعة من المواقف والسلوكيات التنظيمية، كالرضا الوظيفي والالتزام التنظيمي والروح المعنوية والثقة في الإدارة والإنتاجية، فعلى سبيل المثال قد يؤدي سماع شائعة سلبية عن الإدارة في المؤسسة مرة بعد مرة، إلى زيادة ملحوظة في مواقف ونوايا العمل السلبية، نظراً لارتباط الشائعة أثناء التغيير التنظيمي أيضاً بزيادة ضغوط الموظفين، كما تؤثر الشائعة أيضاً في سلوكيات تداول البورصة، ويمكنها أن تبعد المستثمرين عن استراتيجيات التداول المربحة عند الشراء المنخفض والبيع، والمؤكد أن البورصة قد تتجاوب بشكل كبير مع الشائعات.