فضة حامد العنزي
هنا أقول: يُفترض أن الظروف تُصْلِح.. لا أن تجرَّ للهاوية.. وكان منك أن تجعلها تقودك نحو الشيء الصحيح والأمثل والنجاح والتعلم وإن فشلت مرات ومرات؛ ولا تيأس؛ وأن تجعل نفسك محسنة الظن بالله متفائلة لأبعد حدٍّ، لكن أنت من جعل من المخدِّرات -توهمًا- حلولًا لك وهي -في الحقيقة- أغلالٌ تقيدك وتحبس أنفاسك أو تضعفها، وكلما اتجهت لها أكثر أضعفتك أكثر لتهلكك أو تتعبك أو تقودك لإيذاء الآخرين أو تهلك أقرب الناس إليك أو تتعبهم معك! كيف لا؟! فأنت -أحيانًا- لا تحمل عقلًا واعيًا وليس لديك فهم متزن ولا تقوم بالتصرف السليم ولا تقرر حكمًا معتدلًا فتكون كما يقال في المثل: «زاد الطين بِلَّة»؛ نعم نعم؛ أنت تريد النجاة والخلاص من همومك؛ لكنك سلكت طريق الهلاك أو الضياع! وتريد السعادة والعيش الرغيد؛ لكنك مشيت درب التعاسة والعذاب! ولتعلم أنه ليس هكذا تعالج الظروف وتحل المشكلات بل بالصبر والصلاة والرضا -وفقك الله- وبوضع الحلول المناسبة الصحيحة والأخذ بالأسباب السليمة، ولْيمنعك دينك وتقواك من الانجراف في القاع والانحراف عن العقيدة سواء بحكمتك وبصيرتك وعلمك -إن رزقك الله ذلك- في ضوء الكتاب والسنة النبوية أو باستشارة أهل العلم والحكمة وأهل الذكر والدعوة وأصحاب الشأن والاختصاص.
لا تقل الأبواب مغلقة وأنت بيدك مفتاح التوحيد الخالص لله وحده لا شريك له.
واليأس الذي يتسلل ويطرق الأبواب ليلًا.. أتظنه يطرق أبواب قلبك وصلاة الوتر كل ليلة؟! ولا تقل الأبواب مغلقة وقلبك عامر بالإيمان ولسانك يلهج بذكر الله وتلاوة قرآنه والعمل به، متّبعًا بذلك سنة نبيه الكريم في كل شؤون حياتك أو الاستفادة من تجارب الآخرين ومن نصائح الثقات الأمناء، وأؤكد أن تكون محبتنا لديننا ثم لوطننا وولاة أمرنا واجبًا ولا نرضى خراب الوطن أبدًا بكل الصور ولا نرتضي الضياع بشبابه ومكتسباته ومقدَّراته وخيراته.. ممن شأنه الفساد والدمار ووقوع الجرائم والعنف والمصائب وتدهور الأوضاع وزعزعة الأمن والمساس بمقدَّساته.
قال تعالى: {وَلا تُفسِدوا فِي الأَرضِ بَعدَ إِصلاحِها وَادعوهُ خَوفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحمَتَ اللَّهِ قَريبٌ مِنَ المُحسِنينَ} (الأعراف: 56).
إن التوعية والنصح والتوجيه والمحاضرات وسرد القصص المأساوية للمدمنين وقصص الأمل والنجاة والعلاج.. كل ذلك مطالب مهمة جدًّا ترجى من قبل الوالدين والأسر والمدارس والجامعات والمعاهد والكليات، وأي صرح تعليمي تربوي اجتماعي ثقافي.. أو في مكان صحي أو رياضي أو ترفيهي.. ومن قبل الصالحين والدعاة الثِّقات والمربّين والمعلمين والعقلاء الطيّبين الفضلاء والمجتمع، والإعلامُ بوسائله أيضًا -لا شكَّ- له دور فعّال في طرح سبل الوقاية أو طرق العلاج والبحث عن حلول مناسبة ومجدية، هؤلاء هم الذين يهمّهم صلاح الفرد والإنسان والمجتمع وسلامة الدين والعقل والصحة وطيب الحياة للإنسان والعيش الكريم بلا شقاء الإدمان والضياع والشتات والجنون والهلاك وما يترتّب على ذلك من آثار تفسد الإنسان والمجتمع والعالَم بلا أدنى شكّ؛ قال تعالى: {وَأَنفِقوا في سَبيلِ اللَّهِ وَلا تُلقوا بِأَيديكُم إِلَى التَّهلُكَةِ وَأَحسِنوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ المُحسِنينَ} (البقرة: 195)؛ فأنت عندما تلقي بنفسك إلى التهلكة فيما يكون سببًا في هلاكها هنا أنت تضر نفسك وأسرتك، وهناك الناس يتوقَّون شرَّك ويخشون ضررك لا جُبنًا منهم بل هذا عين العقل ورأس الحكمة فيمن أصبح بلا رأس يعي ولا عقل يزن بإدمانه المخدِّرات، كما أن أسرتك وهؤلاء الناس يرجون صلاحك ووعيك قبل دمارك وجنونك وخيرك ونفعك قبل فسادك وشرِّك؛ ويبذلون نصحك قبل انغماسك وبعده لمن استمرَّ في حبك، ولْتعلم أنك أنت من يقرر والقرارُ لك والخيار متاح وسهل على قوي العزيمة صادق النية.. صعب على محب الرذيلة دنيء النفس.. ولْتعلم أنهم سيتركونك وربما يبغضونك حال عصيانك وعنادك وتماديك واستمرارك على التعاطي أو على متاجرتك في المخدِّرات أو كليهما وإلحاقك الضرر البالغ في الأرواح وفي محيطك ومجتمعك وفي العالم أجمع! نعم إنهم سيمتلكون الشجاعة في تركك والابتعاد عنك وقد يصل الأمر للفرار منك؛ فتكون أنت شريدًا تائهًا وحشًا بلا بيت ولا مأوى وبلا نجاحات وبلا أهداف إيجابية؛ لا مستقبلًا مزدهرًا تأمله؛ ولا حاضرًا رائعًا تعيشه، ولا واقعًا جميلًا تراه، ولا ماضيًا يُسعدُ تتذكَّرُه!
صدقني أخي وصدقيني أختي أن الباب ما زال مفتوحًا وواسعًا لعودتكما.. ولإقبالكما على الله.. وسيفرح الله بتوبتكما! فأقبلوا.. وستجدون من أحبابكم والمجتمع من يضمونكم فرحًا بعودتكم للحياة الحقيقية؛ للأمل؛ للنقاء والرحمة؛ ولبر والديكم والإحسان لهم وللناس.
عند توبتكم ومعالجتكم ثم برئكم، عيشوا لحظاتكم السعيدة؛ ومهما عشتموها فلن تستطيعوا وصف القدر الذي تشعرون به بين جنبيكم سعادةً واطمئنانًا، ولا مدى اتساع فكركم رحابةً واعتدالًا! فالخير ما زال موجودًا فيك، وما زال الإحسان ينبع من قلبك، وما زال التعامل الطيب يُرى في سلوكك وأنت البطل؛ نعم البطل بتركك المخدِّرات وإبعادها عن حياتك وطريقك الجديد الذي أزهر فيه الخزامى والفل وفاح المكان بعبق العطور طيبًا ومسكًا وعنبرًا وفلًّا وياسمينًا وتدفقت في قلبك ينابيع الصدق والإخلاص ووجدت حلاوة الإيمان بداخلك، كل ذلك وأكثر متى صدقت في توبتك وإصلاح نفسك بإيمانك وعملت أعمالًا صالحة لتبني أممًا ومجتمعًا لا تهدم قيمًا وآمالًا، ولترسم البسمة لا تقطِّب جبينًا؛ ولتسهم في نماء وطنك وازدهاره وخدمته في تحقيق الرخاء والسلام راجيًا من الله الجزاء.
واليوم هي فرصتك الكبيرة عبر حملة «الحرب على المخدِّرات» إذ تمتد لك ولنا وللكل الأيادي الخيّرة للمساعدة والنجدة وإبلاغ الجهات المعنية ممثلة في رجال مكافحة المخدِّرات، أو نبراس، أو مستشفى الأمل، وتعاون الجهات الأخرى ذات الصلة في القضاء على آفة المخدِّرات والحد من انتشارها بالعقوبات المشروعة اللازمة والنظامية وإصلاح متعاطيها ومعالجتهم، فأنت عندما تمد يدك لهم صادقًا متعاونًا؛ ستُفتح لك الآفاق الجديدة وسيدخل الهواء النقي رئتيك بعيدًا عن التلوث الذي قد ندمت على استنشاقه وفعله؛ وقررت تركه وبغضه عازمًا على عدم العودة للتعاطي بأي صورة كانت من صور التعاطي؛ وقد عرفت الصواب وعدت إلى الطريق الصحيح بالتوبة لله خالصًا من قلبك -ثبَّتك الله على هداه-.
الآن... قَرِّرْ: أتحب الحياة الطيبة وتريدها وتخشى الهلاك؟! أم يعجبك التذبذب في متاهات الظلام؟ أم تودُّ أن تبقى على جهلك المركَّب الذي يتعبك مدى الحياة وفي الآخرة وراءك يوم الحساب للجزاء؟! إن قدَّمتَ خيرًا فخيرٌ وإن عملتَ شرًّا فشرٌّ، ولْتعلم إن أحسنت أحسنت لنفسك وإن أسأت فلها؛ واللهُ غنيٌّ عن العالمين، فاللهم ارحمنا جميعًا بواسع رحمتك وكريم فضلك في الدنيا وفي الآخرة بعد عمر مديد ممتلئ بما يرضيك عنا، وإن كنا لم ولن نبلغ قدر حقك سبحانك جل جلالك كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك، فمهما فعلنا نبقى مقصرين مذنبين مستترين بسترك.. فقراء لك وحدك ربي وأنت الغني؛ فاهدنا للحق وارزقنا اتباعه وثبتنا عليه ووفقنا لما فيه مرضاتك دائمًا ولشكرك على آلائك كل حين لتزيد وتدوم يا من كرمك غزير وفضلك وافر وأنت أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين يا الله.. فأبصرنا ربي وتجاوز عنا وارحمنا في الدارين. آمين.
صدق قول الشاعر ابن ليون التجيبي:
أنت في الناس تقاس
بالذي اخترت خليلاً
فاصحب الأخيار تعلو
وتنل ذكراً جميلاً
وقال ابن الرومي:
أمامك فانظر أيَّ نهجيك تَنْهجُ
طريقان شتى مستقيمٌ وأعوجُ
والسلام.