في تقديري لا يليق الاستغراق في عدد النوافذ والأبواب المغلقة التي كان يجب فتحها أو العكس؛ لأن طبيعة الأشياء تجري هكذا.
الأهم لماذا فتحت وأغلقت، وما مآلات الغلق والفتح؟ مهمة كبرى تنتظر العلماء والمفكرين في تتبع سير هذه الأشياء ومحاولة الفهم لماذا جرت على هذا النحو؟! الله نسأل أن يكونوا على مستوى الجد والعمل ويلهمهم الهداية والسداد وهم كذلك إن شاء الله كما هو معروف ومعلوم في كتاباتهم وأبحاثهم ونقاشاتهم في القديم والجديد.
خاطرة سريعة ومقالة مختصرة في التشجيع والتحذير.. حول رجالات العصر القديم والجديد والمتدبر في القرآن الكريم يبصر النماذج المفرحة والمحزنة وسوف تذهلون! -التاريخ يكرر نفسه-.
رجال صنعوا المواقف البطولية لأنفسهم وأمتهم وأوطانهم بعد توفيق الله مع أسباب أخرى بذلوها؛ جرى لهم ثوابها وثواب عمل الناس لها، أو رجالات صنعوا المواقف البائسة لأنفسهم وأمتهم وأوطانهم بعد الحرمان مع أسباب آخر كسبوها بأيديهم اختيارًا وطوعًا وجرى عليهم وزرها وعليهم آثام عمل الناس لها. الأمر لا يقف هنا؛ سوف تلاحقهم آثارهم حتى الدار الآخرة -إن لم يتوبوا ويصلحوا ويبينوا - على نحو ما قررته الرؤية الإسلامية.
{وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ} في مقابل {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ} هنا لفتة تدبرية لعالم فتح الله عليه يحسن الإشارة لها: انظر كيف يكون جزاء الحسنة حسنة مضاعفة، والسيئة سيئة مثلها. في الحق: {زَادَهُمْ} أما الباطل: {أَزَاغَ}. ولا يظلم ربك أحدًا.
مع البشارة والنذارة لكلا الطرفين: أيها القادة الأفذاذ أولئك الذين تعمدوا أن يخفوا إنجازاتكم، أو شطب أسمائكم من قوائم المبرزين، أو تشويه سيرتكم على شاشات التلفزة، أو الطعن في مشاريعكم أو مبادراتكم أو فتاواكم النيرة التي كانت ستفتح أبواب الخير للناس وكانت من فتح الذرائع، أو تلك المواقف القوية الواضحة الصادقة في إغلاق أبواب الشر وكانت من سد الذرائع، لا تحزنوا.. ينتظركم ثواب الآخرة، وكل يدٍ فَلَتَتْ من أجهزة رقابة الدنيا واستطاعت الخلاص من المساءلة والعقاب لا تفرح، حساب الآخرة لا ولن تقدر عليه! ما أعظمَ خيبةَ الذي وقعَ في ظلمِ الناس وأولها الدماء، القصاصَ يومئذٍ لا يكونُ بالمالِ ولا السجنِ ولا غير ذلك، بل يكونُ بالحسناتِ والسيئاتِ! اللَّهمَّ سلِّمْ سلِّمْ.
أبواب طوارئ الفنادق للنجاة من مفاجآت الحرائق، والمشافي لإنقاذ أنفس بريئة أو تخفيف ألمها، ومدارج الطيران في صد عدوان المجرمين على الأوطان، وفوهة سلاح الجندي الشجاع المرابط تراه يصول كالأسد غيرَ هيَّابٍ ولا وَكِل دفاعًا عن الدين ومقدساته والوطن وحرماته تحرسه عين الله وتلفه دعوات الناس، وأقلام الأحرار الذين يرسمون أحلام أمتهم وتطلعات أوطانهم المشاركين في بناء الإنسان وتشييد البنيان، يدافعون عن شعائره الظاهرة ومعتقداته الباطنة، ومراكز البحث العلمي ورعاية المواهب وتشجيع المبادرات الوطنية ودور تدريس القرآن والسنة والتدبر، وجمعيات المجتمع المدني وهيئاته كالشرعية والثقافية والرياضية والصحية والحقوقية والمبادرات الطَوْعِيَّة النابعة من أفراد المجتمع وتوسيع المشاركة الشعبية كالذي حدث في الانتخابات البلدية 1425 - 1426هـ الذي نال استحسان المجتمع السعودي وقدمه للعالم بالصورة اللائقة هذه الأبواب وغيرها الواجب تبقى مفتوحة دائمًا.
إن الأقلام المخلصة تبني التصورات، والعقول الصادقة تراقب التطورات فما كان فيها من معروف شجعوه، وما كان من منكر رفضوه. هؤلاء القادة إذا وجدوا بابًا مفتوحًا أو مغلقًا.. جاءوا إليه ينظرون ماذا وراءه ولم يكتفوا بما رأوه أمامهم كما يفعله العامة.. يقدمون النصائح ويقبلونها ولا يقلبونها،وينقلون التجارب والثقافات والأفكار الخلاقة من الأمم الأخرى لكن بعد الفحص والتدقيق، ويشجعون في ذلك كله مشاعر الناس وسلوكاتهم مع ضبط ردات الأفعال الخارجة عن الطريق ولا بد.
هناك أبواب لا يجوز فتحها أبدًا والتساهل بها أو الاقتراب منها،كالوسائل المؤدية للشرك مثل البناء على قبور الأنبياء أو الصالحين وتعظيمهم على نحو غير مشروع وصنع التماثيل،أو المواقع الشبكية والمساحات الحوارية المروجة للكفر والإلحاد التي فيها مزيد ضخ من الشبهات أو تزيينٍ للشهوات، أو دعوات الخروج على حكام المسلمين وشعارات التكفير واستباحة أعراض المسلمين ودمائهم، أو الانتقاص من الذات الإلهية والمقام النبوي الشريف والتشكيك في الثوابت القطعية للدين باسم الحوار والانفتاح على الرأي الآخر، أو الطعن بثوابت الوطن وركائزه القطعية الذي قام على الكتاب الكريم والسنة النبوية أو الهجوم على قادته وعلمائه الكرام والعبث في مكارم التقاليد وحسن العادات باسم النقد وحرية التعبير.
عن أنس بن مالك رضِي الله عنه قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: (إنَّ من الناس ناسًا مَفاتيح للخير مَغاليق للشَّرِّ، وإنَّ من الناس ناسًا مَفاتيح للشَّرِّ مَغاليق للخير، فطُوبَى لِمَن جعَل الله مَفاتيح الخير على يدَيْه، ووَيْلٌ لِمَن جعَل الله مفاتيح الشَّرِّ على يدَيْه) رواه ابن ماجة، وحسنه الإمام الألباني غفر الله لهما.
في القرآن الكريم آيات تشير للمعنى النبوي الشريف السابق بوضوح، من ذلك: {وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَّعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ}، وقال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ}، {وَآثَارَهُمْ} ما اسْتُنَّ به بعدهم، وآثارَهم التي كانوا سببًا فيها في حياتهم وبعد مماتهم من خير أو شر، أي كانوا مفاتيح في الخير أو الشر. كما فيه إشارة تدبرية: بعض الآثار داخل فيما قدمه المرء لكن الآية تلفت الانتباه لمعنى دقيق ولطيف ومخيف أيضًا! راقب (آثار) أعمالك في حياتك؛ قد يلحقك في بعضها أجرها وأجر من عمل بها، أو وزرها ووزر من عمل بها بعد موتك! وهي رسالة لكل أولياء الأمور التي استرعاهم الله رعاية صغرى أو كبرى، خاصة أم عامة، مؤقتة أم دائمة.
رسولنا الكريم ارتضاه الله خاتم الأنبياء ورسالته خاتمة الرسالات السماوية، دينه الإسلام المرضي عنده وما سواه من الأديان باطل أو محرف.
رسولنا الكريم أعظم الفاتحين لأبواب الخير وفتح الذرائع الموصلة إليه، أصدق الناصحين في إغلاق أبواب الشر وسد الذرائع الموصلة إليه. نعم سبقه أخوته من الأنبياء والمرسلين وسوف يعقبه رسول كريم اسمه عيسى ابن مريم صلوات ربي وسلامه عليهم جميعًا.
رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم لما كان آخر الفاتحين لأبواب الخير في الدنيا،كان أول الداخلين بسلام لأسمى أبواب الآخرة.!
فكان الجزاء من جنس العمل {جَزَاء وِفَاقًا}.. لا تنسوا التأسي كيف أجرى هذا النبي الكريم مفاتيح الخير ومغاليق الشر؟! كونوا مفاتيح..