لم يكن اختيار «سارعي للمجد والعلياء» نشيداً وطنياً للمملكة العربية السعودية، مجرد إعجاب بكلمات أبدع في كتابتها الشاعر المكي إبراهيم خفاجي قبل وفاته، إذ اعتبرته القيادة الرشيدة تكريس وتعزيز لأمجاد عزمت على بلوغها واقعاً بكل إصرار.
وحين عبر سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان عن طموحه بـ»وجود شعب حالمين لصناعة وطن جديد»، كان واثقاً من أن المجد الرصين المستقر الذي تشهده المملكة الآن، لم يكن ليتحقق إلا بسواعد أبنائها الذين شبههم بجبل طويق الذي لا ينكسر.
ولأن «من رأى ليس كمن سمع»، فما عليك إلا أن ترتدي ملابس الإحرام وتنوي الحج، لترى بأم عينك، كيف أن رفع قيود الأعداد والأعمار، أدى إلى وصول حشود غفيرة من ضيوف الرحمن قاربت المليوني حاج، وكيف تدار حركتها عبر منظومة تحول رقمي نجحت في تحقيق المعادلة الصعبة لأداء المناسك في طمأنينة ويسر، بدءاً من الدخول عبر منافذ المملكة وصولاً إلى المشاعر المقدسة.
وبالعودة قليلاً للوراء، سنجد أن التحول الرقمي ارتبط مبكراً برؤية 2030، إذ شهد عام 2018 هاكاثون الحج، الذي حقق نجاحاً باهراً بتسجيل أكبر استقطاب إقليمي في الشرق الأوسط بعدد مشاركين بلغ 2915 من 50 دولة، اجتمعوا في عروس البحر الأحمر، لرفع قيمة تطبيقات وتقنيات الحج ما ساهم في نجاح أتمتة إجراءاته بالكامل.
الحقيقة، إن تناول إنجازات السعودية، حديث ذو شجون، فبقدر ما يبعث على الفخر والاعتزاز، يثير الدهشة إزاء هذا الزخم الكبير. فعن ماذا سأكتب؟ هل أكتب عن غزو الرواد السعوديين للفضاء الخارجي، أم نبوغ الموهوبين في الجامعات والمدارس وتنافسهم على المراكز الأولى في المحافل العلمية الدولية، أم الاستضافات والمشاركات الدولية للسعودية داخلياً وخارجياً؟
لك أن تتخيل أن السعودية، وفي وقت تستعد فيه لاستقبال ملايين الحجاج، وتحديدا يوم 2 من ذي الحجة الجاري، تعرض ملفها «الرياض إكسبو 2030» أمام المكتب الدولي للمعارض في باريس، مؤكدة أنها ستنهي تجهيز مقر استضافة يعتمد على الطاقة النظيفة ويراعي المعايير البيئية بحلول 2028، أي قبل 24 شهراً من الموعد المحدد، بل واستعدادها لاستضافة أكثر من 120 مليون زائر للمعرض.
ولم يكن غريبا، بعدما حققت حركة الطيران السعودي خلال مواسم الحج السابقة والموسم الحالي خصوصاً، أعلى نسبة تشغيلية على مستوى العالم، أن يتم اختيار المملكة لاستضافة مؤتمر مستقبل الطيران في مايو 2022 بمشاركة 2000 عارض من 60 دولة، إذ جاء ليؤكد نجاحها في التوفيق بين التشغيل ومراقبته وجودته والتطلعات لمستقبل أفضل لعالم الطيران.
وحتى لا أبدو مبالغاً، سأستشهد بتقرير منجزات التحول الوطني لعام 2022، الذي أشار إلى أن المملكة حققت قفزات نوعية في تطوير الحكومة الإلكترونية، فاحتلت المرتبة الثانية بين مجموعة دول العشرين في تقرير التنافسية والتقدم الرقمي الصادر عن المركز الأوروبي للتنافسية لعام 2021، كما حازت المركز الأول خليجياً وفق تقرير الكتاب السنوي للتنافسية لعام 2022، وجاءت الرياض في المركز 31 عالمياً في مؤشر الأمم المتحدة لتطوير الحكومة الإلكترونية لعام 2022، والمركز الأول إقليمياً في مؤشر نضج الحكومات الرقمية للعام الماضي، والمركز الثالث عالميا حسب تقرير البنك الدولي.
وهنا.. يتبادر إلى ذهني بعض الأسئلة التي ربما لا تحتمل سوى إجابة واحدة..
ألا يحق لكل مواطنة ومواطن سعودي أن يفخر بتجارب بلاده الناجحة في المجالات كافة، وخصوصاً مواكبتها أحدث تكنولوجيات العالم؟
ألا يرى كل مواطن عربي أن السعودية، التي تفتح ذراعيها للجميع، قادرة على استيعاب آماله وتطلعاته وأحلامه؟
وألا يحق للمملكة أن تصبح الوجهة الأولى للسياحة العالمية النظيفة، لما حباها الله من أجواء متباينة ترضي كل الأذواق؟
كسعوديين، فخورون بإنجازاتنا، وممتنون لقيادتنا الطموحة، التي توازن بين الأمنيات والواقع، لنصبح بحق شعب الحالمين الذي نتمنى.
**
- عماد عسيري