م.عبدالمحسن بن عبدالله الماضي
1- النخبة أو الصفوة أو الطبقة المتفوقة أو المرتبة المهيمنة.. كلها مسميات صدرت بخلفيات آيديولوجية اتهامية أفقدت المصطلح معناه الحقيقي حسب واقع الحال المراد.
2- فسر بعض علماء الاجتماع مثل (موسكا) معنى مصطلح النخبة بأنهم الطبقة التي تمتلك القوة لقدرتها التنظيمية.. وفسره (باريتو) على أن النخبوية قضية نفسية.. وفسره (ماركس) على أنه قضية اقتصادية بحتة.. فالنخب هي التي تمتلك وسائل الإنتاج.. وفسره (بيرنهام) على أنهم الطبقة التي تحصل على أعلى مدخول.. أما (ملز) فقد فسر معنى النخبة بأنه يتحدد على ضوء البناء الاجتماعي.
3- أما التعريف المعاصر للنخبة فهو أنها: الفئة ذات التأثير العالي على السلطة لأنهم يصنعون القرار.. أو ذوو التأثير العالي على عموم المجتمع لأنهم هم الذين يؤطرون القضايا والمواضيع ويشكلون الرأي العام.. أو ذوو الخصائص والمواهب الشخصية التي يحتاجها المجتمع فتقربهم لدى النخب العليا وتعدها منهم.
4- تأثير النخب على تَشَكُّل الرأي العام أكبر من تأثير العامة على تشكيل رأي النخب.. فالسياسات العامة مثلاً تصنعها النخب وليس العامة.. أي أن تأثير النخب على العامة أكبر بكثير جداً من تأثير العامة على النخب.. رغم أن النخب تخاف من العامة، وفي هذا شواهد عديدة تاريخية ومعاصرة، حيث جارى السياسي أو العالم الآراء السائدة رغم مخالفته لها خشية التصادم معها.
5- طبقة النخبة هي أكثر طبقة تقاوم التغيير.. وتحرص على الحفاظ على النظام والسمت الاجتماعي.. وتدفع نحو استقرار الاتفاق العام حيال القيم الأساسية السائدة للعِقْد الاجتماعي.. وإذا وافقوا على قضية التغيير فيريدونها جزئية تدريجية وليست ثورية جذرية، بشرط أن يكون هناك دور لهم ولا تُفْقدهم موقعهم النخبوي.
6- النخب السياسية أكثر حفاظاً وتقيداً بالروتين والبعد عن المخاطر مع بيروقراطية في اتخاذ القرارات وقدرة أقل على التكيف، لأنها تُغَلِّب الاستقرار وتخشى من الاضطراب الذي قد يسببه التغيير.. بينما النخب الاقتصادية لديهم رضا نفسي أكبر وشغف عملي أعلى، وجرأة في اتخاذ القرار وقبول التغيير والاستعداد للمخاطرة، مع درجة أرقى في الانضباط والالتزام الوظيفي، لأنها تبحث عن الكسب والنمو.
7- طبقة النخبة دائرة شبه مغلقة.. فلا يُسْمح بدخولها إلا لمن يقبل الاتفاق الأساسي القائم بين أفراد النخبة.. كما أن الدخول لتلك الطبقة يكون بطيئاً ومقنناً حتى لا يحدث ارتباك فيها.. لذلك غالباً تثار أسئلة مثل: من يصنع النخبة، وكيف تُصنع؟ وكيف تكون من النخبة، وهل هي متوارثة، أم فطرة تولد بها مثل الموهبة؟ أم هي مهارة تكتشفها وتتعلمها؟ وما هي المعايير أو القياسات التي على ضوئها يتم وصف الشخص بأنه من النخبة؟ وما هي الفروقات بين النخب في نظر المجتمع، والنخب في نظر أهل المهنة، والنخب في محيط إقليمي؟
8- أيضاً هناك أسئلة حول الأدوار التي يجب أن تلعبها النخب مثل: هل تتعاطى النخب مع قضايا المجتمع من منظور مستقل أم هم مع التيار يسيرون حيث يسير؟ وهل لديهم منهجية تفكير مستقلة؟ وهل تتعامل النخب مع التحولات الوطنية من موقع قيادي؟ هل النخب منفصلة عن عموم المجتمع ويعيشون في برج عاجي مستقل أم هم منغمسون في المجتمع؟ هل تتدخل النخب في الشأن العام، أم هم منفصلون عن الفضاء العام؟
9- أخيراً: الواقع المشاهد يثبت أن المجتمعات الواقعة تحت حكم شمولي تقل فيها فرص البطولة (النخبوية)، وتنعدم فيها القدوات، وترتفع فيها وتيرة جَلْد الذات.