مشعل الحارثي
حظيت بعض الأرقام العددية التي نتعامل معها في حياتنا اليومية، وخاصة في شعائرنا الدينية وفي كتاب الله القويم بأهمية خاصة وبأسرار خفية لا يعلم حقيقتها إلا الله، وإن حاول كثير من الباحثين والدارسين الوصول لجوانب من عجائبها والولوج إلى عوالمها وعلاقاتها الرياضية، إلا أنها تبقى معجزة إلهية تستحق التفكير والتأمل والبحث والدرس لعظمة هذا الدين المعجز الذي لا يمكن لأحد الإحاطة بإعجازه ولا تنقضي عجائبه، ومنها الرقم (7) الذي يتجلى بشكل واضح في جوانب كثيرة من عقيدتنا الإسلامية وله دلالات في الكون والقرآن والحديث النبوي الشريف وكذلك في الأديان السماوية الأخرى وفي الكثير من المأثورات والتاريخ واللغة.
ومن عجائب الرقم سبعة نجد أن عدد حروف كلمات كل كتاب من أسماء الكتب المقدسة (القرآن، الفرقان، التوراة، الإنجيل) تتكون من سبعة أحرف، وشهادة التوحيد (لا إله إلا الله محمد رسول الله) مكونة من سبع كلمات، ونزل القرآن على سبعة أحرف، وأم الكتاب سورة الفاتحة تتكون من سبع آيات، وفي اليهودية يعتبر يوم العطلة هو اليوم السابع وهو السبت، ويوم العيد عندهم هو يوم (49) وهو حاصل ضرب الرقم سبعة في نفسه. وغيرها الكثير والكثير من عجائب ودلالات الرقم سبعة.
وجاء في كتاب (إشراقات الرقم سبعة في القرآن الكريم) للكاتب السوري عبدالدائم الكحيل الذي أمضى (10) سنوات من الدراسة المنهجية القائمة على أساس علمي وصوله إلى أن القرآن الكريم يحتوي على منظومة رقمية تعتمد على الرقم (7) ومضاعفاته، مشيراً إلى أن الفائدة من خلاصة هذا البحث أن هذا النظام الرقمي بمثابة إثبات مادي على أن الذي خلق السموات والأرض هو الذي أنزل القرآن وأودع في كل آية عجائب تتجلى في كل عصر بما يتناسب مع علوم ذلك العصر.
وقد تعرض ابن القيم في كتابه زاد المعاد في هدي خير العباد للعدد سبعة عند كلامه على حديث الصحيحين (من تصبح بسبع تمرات من تمر العالية لم يضره ذلك اليوم سم ولا سحر) وقال: وأما خاصية السبع فإنها وقعت قدراً وشرعاً فخلق الله -عز وجل- السماوات سبعاً والأرضين سبعاً والأيام سبعاً والإنسان كمل خلقه في سبعة أطوار، والصدقة تضاعف إلى سبعمائة ضعف، ويدخل الجنة من هذه الأمة بغير حساب سبعون ألفاً، إلى أن يقول: فلا ريب أن لهذا العدد خاصية ليست لغيره، والسبعة جمعت معاني العدد كله وخواصه فإن العدد شفع ووتر، والشفع أول وثان، والوتر كذلك وهذه أربعة مراتب، شفع أول وثان، ووتر أول وثان، ولا تجتمع هذه المراتب في أقل من سبعة وهي عدد كامل جامع لمراتب العدد الأربعة، ثم قال: والله تعالى أعلم بحكمته وشرعه وقدره في تخصيص هذا العدد هل هو لهذا المعنى أو لغيره.
وقد سعدت قبل أكثر من ثلاثة عقود من الزمن بإهداء الأديب والباحث بدارة الملك عبدالعزيز الأستاذ مصطفى أمين جاهين مجموعة من كتبه اللطيفة، ومنها كتابه الذي يحمل عنوان (الرقم 7)، وقدم له الأستاذ محمد حسين زيدان -رحمه الله-، وفيه يشير مؤلفه أنه رجع لتأليفه إلى ثلاثمائة مصدر ومرجع، واستغرق إعداده سبع سنوات، وطباعته سبعة أشهر، وأتى فيه على ذكر باقة كبيرة من عجائب هذا الرقم، وتفسير لعدد من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية وما جاء في السيرة النبوية، وأقوال العلماء والمحدثين التي اشتملت على هذا الرقم، مؤكداً أنها كلها تشير إلى قدرة الخالق وسعة ملكه.
كما يقول إن عدداً من المؤرخين أجمعوا على أن شخصية الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه- بنيت على سبعة أعمدة، أنشأ عليها مملكته، وهي: الدين، كرمه وعفوه، قدرته على الكتمان والحفاظ على السرية، والشجاعة، وقدرته الفريدة على المثابرة، والنزاهة والعدل، وقوة العقل.
أما المفكر والعالم المصري الراحل الدكتور مصطفى محمود -رحمه الله- لما قدم لأداء مناسك الحج عام 1390هـ سئل عن مفهومه للحج ومعاني ودلالات هذا النسك العظيم فأجاب: (نعم هناك معان عميقة للحج مثلاً التنبيه في الإحرام بعدم الزينة وعدم لبس المخيط، وراءه معنى عميق يرد الإنسان إلى طفولته الأولى، حيث خرج من بطن أمه جنيناً ملفوفاً في قطعة قماش. فكأنه في ذلك يولد من جديد بهذه الزيارة، وهذه الرجعة إلى الله، والحج بهذا المعنى ولادة وعودة إلى البساطة وبكارة النفس وعذرية الروح وطفولتها وبراءتها، وطواف الآلاف المؤلفة من المسلمين حول الكعبة فيه رمز التوحيد، حيث تدور أعمال المسلم حول مركز واحد هو الله الواحد الأحد الذي لا يرتجي غيره ولا يخشى غيره، فهو القبلة ومركز الدائرة.
ورجم إبليس بسبع حصوات فيه تمثيل لمراتب النفس السبعة، النفس الأمارة، والنفس اللوامة، والنفس الملهمة، والنفس المطمئنة، والنفس الراضية، والنفس المرضية، والنفس الكاملة.
ورقم (7) في الدين يتكرر دائماً في السبع سماوات، والسبع أرضين، والسبع المثاني، والسبع سنوات العجاف، والسبع سنابل، والسبعة أبواب لجهنم، وفي اليوم السابع الذي استوى الله فيه على العرش بعد أن خلق العالم في ستة أيام.
ومنها عرفنا الأسبوع بأيامه السبعة، والعلم الآن يقول لنا إن النور يتألف من سبعة ألوان الطيف، وأن الموسيقى تتألف من سبع درجات صول، لا، دو، ري، مي، فا، وإن الإلكترون يدور حول الذرة في سبعة أفلاك، ويبدو أن من الأسرار التي سوف نعرفها أن العالم مبني بطريقة سباعية، ولهذا يلزم أن تكون الطقوس الدينية سباعية. فيكون الطواف سبع مرات، ورجم إبليس سبع مرات..الخ، والحج فوق هذا له معان ظاهرة واضحة هي التعارف والاجتماع من الأقطار كافة، ولمّ الشمل والحوار الخصب بين أطراف قلما تجمعها مائدة واحدة. هذا غير الانعاش الاقتصادي والمنفعة التجارية، فهو عميق المعنى دنياً ودينا.
يسّر الله لضيوف الرحمن أداء مناسكهم وشعائرهم على الوجه المطلوب، وردهم إلى أهلهم وذويهم سالمين غانمين، وأعز بلادنا وولاة أمرنا، واحفظنا دائماً وأبداً في أمن وأمان وسلم وسلام.