عطية محمد عطية عقيلان
تنتشر العديد من النظريات والمدارس المختلفة التي تتحدث عن التربية والطرق المثالية في التعامل بين الأزواج وكيفية أطفالهم، بل أصبحت برامج تطوير الذات وكيفية التعامل داخل الأسرة، وسيلة مربحة لمقدمي هذه الدورات، وتجذب النصائح والتوجيهات التي تعرض عبر مختلف منصات التواصل، ملايين المتابعين والمشتركين، ورغم كل ذلك التطور التقني وسهولة الحياة وتوفر المعلومات بسهولة وفرص التعليم للجميع، ووجود الكهرباء والماء والغذاء، إلا أن معدلات الطلاق والتفكك الأسري والقضايا في المحاكم بين الإخوة والقطيعة بينهم، تشهد ارتفاعاً مقلقاً، وخاصة ما نراه من مشاكل بسبب المخدرات ووجودها بين الشباب، والقرارات التي صدرت بخصوص متعاطيها ومروجيها، حتى يتم مكافحتها، لأنها غدت مضرة على الفرد والأسرة والمجتمع. وهذا يأخذنا لقصص عايشناها أو سمعنا عنها، لأمهات وآباء أميين لا يقرأون ولا يكتبون، وقاموا بتربية أبنائهم وتعليمهم، في ظل صعوبة العيش وقلة الموارد والإمكانيات المتاحة من غذاء وكهرباء وماء، إلا أنهم قاموا بذلك على أكمل وجه، وقدموا مجموعة من الرجال والنساء في المجتمع، أسوياء وحصلوا على أعلى الدرجات العلمية والمكانة الاجتماعية، وإضافة للتحصيل العلمي، حملوا مجموعة من القيم والأخلاق الحميدة، وعدم التعدي على حقوق العباد، ومن هذه القصص التي كانت: امرأة، كانت تنبه على أطفالها عند زيارة أخوالهم، وتزرع فيهم عدم مد يدهم حتى على الطعام المقدم لهم من أخوالهم، بعبارة «تمر خوالكم حرام»، بل كانت تقوم بإطعامهم التمر والأكل حتى لا يضطروا أن يأكلوا في بيت من يزورونهم، وبعيداً عن ما زرعته الأم الفاضلة في نفوس أبنائها، بأن الهدف من الزيارة هي صلة الرحم وليس الطعام، خاصة أن ظروف الناس الحياتية كانت صعبة، فيضطروا لتقديم ما لديهم لضيوفهم، وقد يكون أصحاب البيت أكثر حاجة لهذا التمر منهم، طبعاً هذه الأم، لم تعرف برامج تطوير الذات أو حصلت على دورات في فن التربية وصقل شخصية الأبناء وزرع الثقة والعزة والكرامة في أنفسهم، ولكنها الفطرة السليمة والخلق الإنساني الرفيع لها، الذي يقدر ظروف الناس وخاصة الأقارب، وتنبهها إلى الاهتمام بالعلاقات بعيداً عن ما يقدم من طعام وشراب، وعايشنا وشهدنا جيلاً من التجار والمتعلمين وأصحاب الشهادات والمناصب في حياتنا العملية، وجل آبائهم أميون، ولكنهم لم يبخلوا عليهم بزرع القيم والأخلاق في نفوس أبنائهم، وتروا أثراً إيجابياً في مسيرة أبنائهم العملية وساعدوهم على تحصيلهم العلمي، فرغم أميتهم من قراءة وكتابة، ولكنهم آمنوا بأهمية التعليم فشجعوهم على مواصلته حتى أعلى الدرجات، فلا تستغرب أن يفخر ذلك البروفيسور أو الاستشاري أو الضابط أو التاجر، بما وصل إليه من علم ومكانة، لأنه من كان وراءه والدان آزراه وقدما كل ما يستطيعان، حتى يصل إلى قمة النجاح والتحصيل، فرحم الله من فارق والداه الحياة، وأطال في عمر من لديه نعمة وجودهم أو أحدهم، يقول الشاعر حافظ إبراهيم في قصيدة العلم والأخلاق:
«الأمُ مدرسةٌ إذا أعددتها
أعدت شعباً طيب الأعراق
خاتمة: في الماضي كان الآباء لا يعرفون النظريات في التربية، وقد لا تجيد الأم القراءة بالعربي والإنجليزي، ولم تعرف الفلسفة والتاريخ والجغرافيا والرياضيات، ولكنها بالفطرة آمنت بقدرة أبنائها على التفوق والتقدم، وأمدتهم بالحب والقوة والعزة والكرامة، وبزرع القيم والأخلاق، وبالدعاء ليحفظهم ويوفقهم ووفرت بيئة صالحة مترابطة، تساعدهم على النجاح، وكما قال خليل جبران «كل البيوت مظلمة إلى أن تستيقظ الأم»، حفظ الله والدتي وأطال في عمرها ومتعها بالصحة والعافية وغفر لوالدي رحمه الله.