نوف بنت عبدالله الحسين
في نهاية الفيلم تختتم بأغنية أقرب للتمتمة (أخبرني قصتك وسأخبرك قصتي) لتختم قصة القبطان سولي وهبوط الطائرة على نهر هاديسون في نيويورك في موقف ارتجالي شجاع أنقذ فيه 155 شخصًا هم ركاب الطائرة إثر تعطل لمحركات الطائرة والتي تعتبر المرة الأولى التي تواجه حوادث الطيران، تحكي قصة حقيقية حدثت في شتاء عام 2009.
لست هنا بصدد الكتابة عن الفيلم ومجرياته، أو عرض القصة الحقيقية واللحظة الفاصلة ما بين شعرة الحياة والاقتراب من الموت، لكنها ألهمتني بأن أكتب عن قصة الإنسان المليء بالحياة حتى وهو على شفير الموت، لينقذ كل أحد، دون أن يستسلم للمصير الميؤوس!
الحياة بحد ذاتها مجموعة من القصص السعيدة والمأساوية، وأكثرها قساوة هي التي تبقى راسخة في الذاكرة، مع حالة التفكر والذهول في كيفية مجاوزتها، ذلك أن الله يمدنا بطاقة خفيّة لا نعلم عنها إلا عند اللحظات الصعبة.
كثيرة هي اللحظات التي توحي لك بالنهاية، نهاية حياة، نهاية زواج، نهاية وظيفة، نهاية مشروع، لتكتشف فيما بعد أنها لم تكن سوى بداية لمشوار يستحق كل هذه التضحيات وهذا الجلد والصبر، حتى تصل إلى بر الأمان.
هناك لحظات تشعر أنك سقطت من سفح الجبل، وتدحرجت إلى الهاوية، وتمزقت أحلامك، وضاعت في الطريق كل مساعيك، بينما ما مررت به عبارة عن إزالة للشوائب الشائكة في طريقك، لتبدأ بعدها في اتجاه آخر بلا منحدرات، وتعرف حينها كيف تتعامل مع العثرات، لتخبر الآخرين قصتك فيما بعد.
والحقيقة أن رحلة الحياة هي قصص متفاوتة ما بين الخيبات والفرح، فلا تظن أنك في مأمن من الخيبات، ولا تأمن دائمًا للحظات الهادئة، لكن عوّد ذاتك على التعامل مع كل لحظة بما يجب، فلا تغرقك الخيبة في ظلام دامس، ولا تخدعك الفرحة بالألوان البراقة!
إنما كن مستعدًّا دومًا لكل القصص التي ستواجهك، واغتنم فرصة الدروس التي تعلمتها من مدرسة الحياة، لتوظفها في المواقف التي تمر بها، وتقبل النتائج أيًّا كانت، وتعلّم معنى التجاوز، فلا تكن عالقًا في زمن مضى، بينما عقارب الساعة مستعجلة في طريق العمر دون أن أتقف لأجلك!
قصتك هي أنت بكل ما مرّ بك من حلو أو مر، من معرفة أو خبرة، ومن خلال قصتك تستطيع أن تنشر رسالتك، وتشارك الآخرين القيم التي برزت عندك حينها، لا تبخل على الآخرين بالسكوت عنها، خبرتك في الحياة تستحق أن يشار إليها ويصفق لها ويتعلم منها
وحيث الأثر تبقى القصص، ودون أثر تختفي القصة وتصبح بلا معنى، ولكل قصة بداية وخاتمة، وهناك قصص مستمرة لأنها الأجمل حتى في معاناتها وصمودها.
القصص هي بطولات عظيمة، وأبطالها هم أشخاص حقيقيون، والمشاهد الحقيقية لا يمكن إعادة تجسيدها حتى لو حاولنا محاكاتها، إنما كم من قصة عظيمة لم نعلم عنها وتاهت في طيات السكوت، وكم من قصة ظلمها التواضع فتلاشت مع الزمن، وكم من قصة راسخة في الذاكرة وثقتها المشاركة وتصفحها الآخرون وبقيت حيّة لهذا اليوم.
لذا، دعونا نبعد عن تداول القصص التي برزت في حياتنا دون قيمة سوى تفاهات تتقلب بها متصفحاتنا ونتراسلها فيما بيننا، ولنعود إلى القصص الحقيقة التي تستحق للعظماء في حياتنا، للأشخاص الذين يحفرون في الصخور فتتكسر فؤوسهم بصمت، للمفكرين الذين يحاولون إحداث تغيير حقيقي في الحياة، كن باحثًا للقصص التي تصنع منا بشرًا حقيقين، بعيدًا عن غباء اصطناعي أفرزتها منصات التواصل الافتراضية، وانتقِ القصص التي تستحق أن تستقطع الوقت من أجلها وتبني من خلالها معرفة ومهارة وحدثًا تتداوله مع الآخرين.
والآن... أخبرني قصتك!