عبدالرحمن الحبيب
«أرواحنا المهاجرة» عنوان كتاب جديد صدر متزامناً بالصدفة في وقت عاشت فيه فرنسا بالأيام الأخيرة الماضية احتجاجات عنيفة نتيجة مقتل مراهق فرنسي من أصل جزائري على يد الشرطة، وهي ليست المرة الأولى بل تكررت مراراً مما جعل الفرنسيون أبناء المهاجرين يشعرون أن الشعار الفرنسي «حرية، مساواة، إخاء» لا ينطبق عليهم، وفي وقت تواجه فيه بعض الأقليات الأثنية المهاجرة في الدول الغربية الديمقراطية تمييزاً وتهميشاً على مستوى التطبيق والتنفيذ رغم أنه على مستوى القوانين المكتوبة لا تمييز بين المواطنين أياً كانت أصولهم..
هذا الكتاب عنوانه الكامل «أرواحنا المهاجرة: تأمل في العرق ومعاني وأساطير «لاتيني»، لمؤلفه هكتور طوبار الأديب والأستاذ في جامعة كاليفورنيا، الذي يجمع خبراته الشخصية باعتباره ابنًا لمهاجرَين من غواتيمالا، والقصص التي رواها له طلابه اللاتينيون لتقديم توبيخ للأفكار العنصرية حول الشعب اللاتيني.. ويمثل تجربة الصورة النمطية والهوية في القرن الحادي والعشرين لأبناء المهاجرين، خذ مثلا: من هو الشخص اللاتيني؟ أو ماذا تعني كلمة «لاتيني»؟ قد تكون الإجابة معروفة في أوروبا والشرق الأوسط وبقية العالم باستثناء الولايات المتحدة الأمريكية، حيث المصطلح يتداخل فيه الخيال والعنصرية والأساطير: «إنك بني غامق ولديك بشرة فاتحة.. عيناك سوداوان وخضراوان..»
يقول طوبار: «نشأ الكثير منا كشعب لاتيني مع محو أنفسنا من معظم وسائل الإعلام الرئيسية... هناك معادلة لهويتنا بوضعنا الطبقة العاملة التي تفتقر إلى التطور والذكاء»؛ ويتذكر لحظة في عام 2010 عندما كان يرتدي ملابس غير رسمية في حديقة الضواحي وظن أحد الأطفال أنه بائع آيس كريم..
المؤلف هو أيضاً صحفي مخضرم وكان واحداً من فريق لوس أنجلوس تايمز الصحفي الذي فازت تغطيته لأعمال الشغب في المدينة عام 1992 بجائزة بوليتزر، ويهدف في هذ الكتاب إلى إخراج اللاتينيين من صالة العبور (ترانزيت) للهوية الأمريكية، حيث «لاتيني» هي أكثر الفئات العرقية الرئيسية ذات المعنى الفضفاض المفتوح وغير المحدد في الولايات المتحدة، وفقاً للكتاب الذي يقوم بترميز معنى كلمة «لاتيني» على أنها هوية عرقية وأثنية في الولايات المتحدة الحديثة، ويسعى إلى التعبير عن قلق وغضب الشباب اللاتينيين الذين رأوا أن «لاتيني» يتحول إلى مجازات بغيضة عن «غير الشرعيين»، والذين تعرضوا للإهانات والمضايقات والتفرقة بزعم أنهم يثيرون المخاوف الأمنية للبيض، والاستغلال الاقتصادي لهم، متجاهلا تاريخهم ومركزيتهم في أمريكا..
يتفحص المؤلف في موضوعات تشمل «الجدار» الحدودي بين الولايات المتحدة والمكسيك، والعزل في الضواحي، والعصابات، واليوتوبيا اللاتينية، وظهور قصص الكارتل في التلفزيون والسينما، متنقلاً عبر البلاد لكشف شيء أكثر دقة حول معنى «لاتيني» في القرن الحادي والعشرين، وتبديد القوالب النمطية الجاهزة.
يبدأ الكتاب، بخطاب مباشر للعديد من الطلاب اللاتينيين الذين درَّسهم خلال سنوات عمله كأستاذ في جامعة كاليفورنيا، بلغة لطيفة وحنونة حيث يسرد القصص التي شاركوها معه في المقالات والزيارات.. قصص الهجرة والعودة إلى الوطن مليئة بالصدمات والمرونة والجراح والأفراح، يصف خلالها العديد من الشباب والشابات متنقلاً في تواريخ معقدة للأسلاف مع تغير مفاهيم الهوية، حيث يختلط فيه السكان الأصليون لأمريكا مع الأوربيين، ومع الأفارقة أحيانا.. ويعدهم: «سوف أنسج ما أعرفه بما علمتموني إياه... وسنصل معًا إلى فهم لعصرنا و»شعبنا».
في مقابلة مع شبكة إن بي سي نيوز، قال: «لا يُنظر إلينا على أننا أشخاص محوريون في القصة الأمريكية. يُنظر إلينا على أننا الممثلون الداعمون، أي الممثل الداعم غير المهم». ويشير إلى أن العمالة اللاتينية هي التي تحافظ على أداء البلاد وهو أمر ضروري للصناعات مثل البناء والزراعة، وأنه في الغالب كان العمال اللاتينيون هم الذين بنوا البنية التحتية للجنوب الغربي الأمريكي؛ مُؤكداً بأن صياغة مصطلح «لاتيني» مصطنعة ومعقدة وفضفاضة.. «على هذا النحو يمكن أن تشعر وكأنها صالة عبور للهويات الأمريكية، حيث يأتي الناس ويذهبون بسهولة نسبية».
وعن مصطلح «لاتيني» يقول: «هذا هو تعيين مصطلح أوروبي لمجموعة من الأشخاص الذين هم أيضًا من السكان الأصليين والأفارقة». وشبه محاولات تعريف اللاتينيين بالتسميات بأنها «مثل استخدام أقلام التلوين بأدوات عريضة للغاية، عندما تحتاج إلى شعيرات دقيقة لفرشاة الرسام لالتقاط هويتنا حقًا... الهوية اللاتينية تخفي قدرًا كبيرًا من الاختلاط الثقافي... أود أن أقول إنها مرادف للمختلط، فالشخص اللاتيني أكثر من المحتمل أن يكون له جذور أوروبية وأمريكية أصلية، أو حتى جذور أفريقية».
نشأ طوبار في شرق هوليوود، كاليفورنيا، في حيٍّ بين عائلات من أوروبا الشرقية والمكسيك وأمريكا الوسطى، وكان عرابه ناشطًا أمريكيًا من أصل أفريقي.. يقول: إن وجود عائلته في مثل هذا المكان كان طبيعيًا تمامًا: «في جميع أنحاء الولايات المتحدة، يعيش اللاتينيون في أماكن ليست بعيدة عن صراع السود وتاريخ تفوق البيض». في هذا الكتاب يحاول طوبار تبديد القوالب النمطية والتأكيد على التنوع المثري.. «أرواحنا المهاجرة» هو تأمل شخصي عميق في التجربة الأمريكية اللاتينية، يقول المؤلف: «معركتنا هي دفع أنفسنا غير الكاملة إلى المسرح الأمريكي. أن نقف كما نحن ونجبر الولايات المتحدة على رؤيتنا كما نحن».