د.عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب
بدأ العالم الغربي الاعتراف بقوة السعودية التي تقود المنطقة، فنجد فريد زكريا مثلاً على قناة سي أن أن يرى الصعود السعودي يعيد تشكيل العالم فعلياً، ويؤكد أن من يعتقد أن أسرع نمواً في العالم أنه الهند أو الصين أو أي من النمور الآسيوية فإنه مخطئ، لأن الجواب هي السعودية التي بلغ معدل نموها في 2022 نحو 8.7 في المائة، وسواء أنه يمدح السعودية أو يحذر أمريكا ليس هذا محور المقال.
تتحدد علاقة أوروبا بالصين في دائرة المنافسة بين الولايات المتحدة والصين، ولدى أوروبا مخاوف من تشكيل الصين وروسيا تحالفاً في مواجهة العالم الغربي، جعل أمريكا تحذر من أن تصبح روسيا مستعمرة صينية، بينما طريق الحرير السعودي جسر يربط بين الصين والدول العربية، وحتى الدول الأوروبية وإفريقيا ليس لمنافسة الصين بل لأن السعودية أقرب إلى الصين، وإحياء العلاقات التاريخية التجارية، والعلاقة بين أوروبا والصين مقيدة، بينما العلاقة بين السعودية والصين مفتوحة دون أي قيود أو أي عوائق، وحاولت أوروبا إقامة مبادرة البوابة العالمية لمنافسة الحزام والطريق الصيني في سبتمبر 2021، كذلك محاولة أمريكا إقامة طريق بري وبحري إلى الهند، لكن تكاليف إقامته غامضة.
فبعد القيود الغربية على الصين، تجد الصين كما تجد السعودية بغيتهما لدى بعضهما البعض لتحقيق النمو السريع، ويعتبره الغرب ملء الصين الفراغ الذي تركه الغرب في الشرق الأوسط، ما جعل بلينكن وزير خارجية أمريكا بعد زيارته للسعودية في 2023/6/6 استمرت ثلاثة أيام، أكد على أن أمريكا باقية في المنطقة.
ما يعني أن السعودية تستفيد من الشرق والغرب في آنٍ واحد لتنويع شراكاتها، وفي نفس الوقت تمنع هيمنة أي طرف منهما على المنطقة، كما كان في السابق، فقط هي التي تبحث عن تحقق مصالحها، وتم ترجمة ذلك في استقلال ملف النفط بقيادة سعودية بعيداً عن هيمنة الغرب كما كان في السابق، كما استثمرت ضرب منشآت أرامكو في 2019 الذي هدد إمدادات الطاقة ولم تعد أمريكا بحاجة لتلك الإمدادات كما كانت في السبعينيات جعلها تتحاشى التدخل، لكن الصين أزعجتها تلك الضربات التي تهدد أمن إمدادات الطاقة التي يعتمد عليها اقتصادها، فكان لزاماً عليها أن تقود مصالحة بين حلفائها في المنطقة السعودية وإيران بعدما كان يصب هذا الخلاف في صالح أمريكا ولكنه لا يصب في صالح الصين ولا المنطقة.
حيث كانت الأزمة الأوكرانية إيذاناً بتغيرات كاسحة في الاقتصاد العالمي، حيث تقوض العولمة، في الوقت الذي تتولى فيه الصين زمام القوة الاقتصادية العالمية الكبرى، حيث يراها بعض الاقتصاديين حرباً ساخنة وليست باردة، والعالم يترقب استعدادات عقد قمة منظمة بريكس في جنوب إفريقيا في أغسطس 2023، حيث من المتوقع إنشاء عملة مشتركة أحد الموضوعات الرئيسية على جدول الأعمال، لأنهم يرون أن السياسات الخارجية والاقتصادية لأميركا وحلفائها دفعت معظم العالم إلى إدراك أن واشنطن ليست زعيماً عالمياً مسؤولاً، فدول مثل بريكس تشعر أنه من الضروري إعادة التوازن لتغيير الهيكل العالمي إلى نموذج أكثر استدامة، نموذج يتضمن تطوير وإدخال عملة بديلة يمكن استخدامها عند عدم التداول مع الولايات المتحدة.
رغم أن قاطرة الاقتصاد العالمي تحطم نظرية فك الارتباط، حيث ارتفعت تجارة الصين مع الولايات المتحدة إلى 690.6 مليار دولار، وارتفعت مع الاتحاد الأوروبي 23 في المائة عن 2021 بنحو 912.6 مليار دولار مقابل 975.3 مليار دولار مع جنوب شرق آسيا في 2022، ومع إفريقيا نحو 282 مليار دولار، ومع أمريكا اللاتينية 485.8 مليار دولار.
ولا يعقل أن يستمر حجم اقتصاد دول المغرب العربي الخمس موازي لاقتصاد دولة الإمارات نحو 434.5 مليار دولار في 2022، وقفزت تجارة الصين مع العرب 31 في المائة، بينما مع العالم 4.5 في المائة بمبلغ 431.4 مليار دولار 27 في المائة للسعودية، حيث تركز السعودية بوصلتها شرقا مع تصدر 4 دول آسيوية الشركاء التجاريين.
ما جعل السعودية تتجه نحو أكبر تجمع عربي صيني في الرياض في 2023/6/11 وسط مساع لتوسيع التعاون الاقتصادي مع توقيع عقود على مدى يومي المؤتمر تتجاوز 40 مليار دولار، مشددين على بناء أمة موجهة نحو عصر جديد للطاقة، مدعومة باقتصاد متنوع يشمل التصنيع والعلوم والاتصالات وتكنولوجيا الطاقة الخضراء، سيكون عنواناً بارزاً لتعزيز التعاون الاقتصادي الصناعي التكنولوجي الفضائي بين الصين والعرب، ومن شأن ذلك أن يرسم خريطة طريق من الرياض تعظم التصنيع والعلوم والاتصالات والتكنولوجيا الخضراء.
تركز السعودية والصين على قطاع عالمي للطاقة الجديد باعتباره حزاماً ناقلاً للمعاملة يعتبر بداية تجديد لرؤية باريس للمناخ، باعتباره استجابة عالمية لاعتماد كلا البلدين لالتزاماته الخاصة بأهداف عام 2030 وما بعده، وإذا ما استمر تدفق المعاملات من قبل الجهات الفاعلة المعنية فيمكن أن يصبح هذا محركاً للاستدامة للعالم.
خصوصاً أن اللقاء بين ثاني اقتصاد في العالم مقابل أكبر اقتصاد عربي وهما من أكبر محفزات الاقتصادات في العالم، حيث تود السعودية استغلال موقعها الجغرافي كجسر لربط البلدان العربية والإفريقية مع الصين، فطريق الحزام والطريق الصيني لن يتمكن من تحقيق رؤيته إذا لم يلتقِ مع طريق الحرير السعودي ممثلاً في رؤية المملكة 2030 لبناء مستقبل جديد نحو عصر جديد يعود بالخير على الشعوب، ويحافظ على السلام والتنمية في العالم، وتوسيع قاعدة ما حققته السياسة والدبلوماسية إلى الاقتصاد والاستثمار والتنمية المستدامة، ولتسهم في خلق فرص جديدة لشراكات مستدامة.