عبده الأسمري
ما بين عشق الطيران وعبق الإنسان حلق عالياً في «الأجواء» وانطلق راشداً في «العطاء».
ومن أصول «الأمارة» إلى فصول «الجدارة» امتطى صهوة «التمكين» في ميادين «البراعة» ونال حظوة «اليقين» في مضامين «النباغة» فكان «الطيار» الأول و»المغوار» الأمثل الذي بنى مقام «الإنجاز» أمام بصر «الناظرين» وأسس قيمة «الاعتزاز» أمام نظر المتبصرين.
ابن مؤسس وسليل حكم وعضيد إمارة وسديد رأي ومديد حكمة وسند قيادة وعضد ريادة..
نظم «الشعر» من نفائس «العبر» ورسم «الشعور» بأنفاس «الجبر» فكان الفارس في دروب «الثقافة» والممارس لفنون «الأدب» والخبير في «عوالم» الرقي.
إنه صاحب السمو الملكي الأمير مشاري بن عبد العزيز آل سعود رحمه الله الابن التاسع عشر من أبناء الملك عبد العزيز رحمه الله أحد أبرز الأمراء من الجيل الأول وأول الطيارين في الوطن.
بوجه تعلوه سمات «الحكم» وتسكنه صفات «الحكمة» وتميزه «سحنة» الإمارة و»حنكة» المهارة وتقاسيم تتشابه مع والده وتتقاطع مع أخواله ومحيا أميري حافل بالوجاهة ورافل بالنباهة وعينين واسعتين تلمعان بنظرات «الدهاء» وتسطعان بلمحات «الذكاء» وأناقة أميرية زاهية بالبشوت الملونة وبزة عسكرية مكتظة بنياشين التدريب وأوسمة التميز وصوت جهوري قوامه فصل الخطاب ومقامه أصل الجواب يتعامد على عبارات شعرية واعتبارات أدبية وشخصية ودودة الجانب لطيفة المعشر وجيهة القول سديدة الرأي حكيمة القرار.
قضى الأمير مشاري من عمره عقوداً وهو يقود أسراب الطائرات في الجو بقدرات «مقاتل» ويملأ أرجاء المعارف في الأرض بمهمات «مثقف» ويبهج مجالس عائلته ومرابع أهله ومواطن تواجده بالسخاء والرخاء ويترك «الإضاءات» مشعة في منصات «الثقافة» ويبقي «الإمضاءات» ساطعة في «ومضات «الحصافة أميراً وطياراً وشاعراً ووجيها ومثقفاً أشبع «الذاكرة» بدلائل «الفخر» وأسبغ على «الوطنية» ببراهين «الشرف».
في الرياض «عاصمة» المجد و»سيدة» العواصم» ولد عام 1930 في نهار ربيعي زاخر بالبشائر وامتلأ قصر الحكم بأهازيج «الفرح» وأريج السرور وانطلقت نداءات «المباركة» و»المشاركة» في أرجاء الوطن احتفاءً بالقدوم الميمون والمقدم المبارك وأطلق الملك المؤسس اسم مشاري على مولوده التاسع عشر من الذكور بمسمى يحمل «البهاء» و»الزهاء» وعمت «البهجة» لتضيء «المكان» وتنير «الزمان بمولد «الأمير» الجديد ضمن «عقد» إخوته الأمراء الممتلئ بدرر «القامات» وجواهر «المقامات».
تجرع فَقْدَ والدته باكراً في سنٍّ صغيرة وعهد الملك عبد العزيز بتربيته إلى والدة صاحب السمو الملكي الأمير ماجد رحمه الله.
ركض مع إخوته بين القصور الملكية مستنشقاً نسيم «ليالي» العارض وتعتقت نفسه طفلاً برياحين «الصفاء» في صباحات «الدرعية» الندية وتشربت روحه مضامين «الوفاء» في مساءات نجد العذية.
انخطف صغيراً إلى «مناهج» القرار و»منهجيات» الاستقرار في مجلس والده العامر بالرشد والغامر بالتوجيه وظل يراقب دعائم «السياسة» وعزائم «الكياسة» في قصر الحكم مشفوعاً بنباغة باكرة ظلت حديث أسرته المالكة وحدث عائلته المقربة..
تربى في كنف والده الملك عبد العزيز وخضع لدروس التربية الصالحة والتنشئة الفالحة وتدرج في التعليم في مدرسة الأمراء المشهورة في قصر الحكم، حيث ظهر نبوغه العلمي المبكر وتفوقه الباكر وحفظ أجزاءً من القرآن الكريم وبعض علوم الشريعة.
امتلأ قلبه وعقله ووجدانه بمعاني الانبهار في عوالم الاقتدار في شخصية والده المؤسس وظل يرتقب وقت فراغه ليلقي على أسماعه كل مساء حكايات الغد ومرويات الماضي ودوافع الذات ومنافع الإثبات مولياً قبلة أحلامه شطر الطيران الذي تعلمه في عقر دار الغرب.
حيث نال «الأولوية» و»الأسبقية» والأحقية» في فنونه مسجلاً اسمه كأول طيار سعودي حيث تابع دراسة الطيران في بريطانيا وأمريكا، وحصل عام (1393هـ - 1973م) على شهادة التحكم والسيطرة في علوم الطيران من سلاح الطيران الأمريكي قاعدة -تندل- وقد تمرس على قيادة عدد من الطائرات المدنية والحربية.
كان محباً للسفر عاشقاً للترحال شغوفاً بالعلوم مولعاً بالثقافات وقد أتقن العديد من اللغات الأجنبية نظراً لكثرة أسفاره وكان يمارس هواياته المحببة لديه من الصيد والسباحة وركوب الخيل.
ارتبط بالقراءة منذ طفولته وظل يقرأ في أمهات الكتب وينمي معرفته باقتناء العديد من المراجع العلمية والموسوعات والمجلدات والتي جمعها في مكتبته العامرة بالمؤلفات الفاخرة بالمعرفة والزاخرة بالثقافة.
للأمير بصمات مضيئة في جانب الشعر الشعبي والذي كان يقرضه وظل زمناً يقيم الأمسيات الشعرية في مزرعته بالدرعية ومن أبرز الشعراء الذين كانوا يأتون إلى مجلس الأمير مشاري لإحياء هذه الأمسيات طلق الهذيلي وأحمد الناصر وذياب بن مشاري الشيباني وبركات الشريف.
واصل الأمير المولع بالثقافة أعماله وأنشطته الثقافية والأدبية تحت عناوين «الاهتمام» وتفاصيل «المهام» وظلت مجالسه منابع للعلوم النافعة ومنابر للمعاني الشافعة.
أحب الأمير مشاري والده وتعلق به كثيراً وظل يقتنص «السمو» في سيرته و»الانفراد» وسط مسيرته ويرصد بصمات «التاريخ» وومضات «الترسيخ» في شخصيته وإنجازاته وأعماله حيث ألّف كتاباً يروي سيرة الملك عبد العزيز وبطولاته وكفاحه في توحيد المملكة العربية السعودية وأسماه (خطوات فوق الصخور).
عانى في أواخر عمره من مرض عضال وسافر إلى أمريكا للعلاج ووافته المنية هناك بعد معاناته الطويلة مع المرض عن عمر ناهز السبعين عاماً في 19-2- 1421هـ الموافق 23 مايو 2000م، ونقل جثمانه إلى المملكة وصلي عليه في الحرم المكي، وشيعته الجموع الغفيرة والتي تقدمها خادم الحرمين الشريفين الملك فهد رحمه الله وبقية إخوانه الأمراء أبناء الملك عبد العزيز، وَوُورِيَ جثمانه ثرى مكة المكرمة.
رسم الأمير مشاري رحمه الله سيرته بخطوط عريضة من التميز والامتياز وسار في دروب «المعارف» مكللاً بنفس طامحة ومجللاً بذاتٍ مكافحة حيث جنى «ثمار» الذكر من «استثمار» الفكر ليبقى مقيماً في «المتون» المشرقة بالاستذكار و»الشؤون» الخاصة بالاعتبار.
ترك الأمير مشاري من خلفة «أبناء» بررة حملوا «لواء» السمعة الساطعة بالوفاء والسيرة المشعة بالاستيفاء ورسخوا في أعمالهم ومقامهم إرثه المعرفي وتراثه الفكري في قيم «التربية» وهمم «المواطنة» وشيم «الإنسانية.
الأمير مشاري بن عبد العزيز رمز وطني خلد اسمه في «قوائم» المبدعين ورسخ ذكره في «مقامات» المؤثرين ليبقى شامخاً في سجلات «الأمجاد «وراسخاً في صفحات «الانفراد».