سارا القرني
قرأتُ مرةً منذ سنين مقالاً عن أخلاقيات المسرح للكاتب عصام الكلداني، يتحدث فيه عن أهمية المسرح وأخلاقياته وأسسه.. يقول في بدايته «للمسرح أخلاقيات عظيمة لا يمكن لفن آخر مهما كان من قوة أو إبداع أن يكتنفها مثلما يكتنفها هذا الفن النبيل، ولكون المسرح يمتلك كل تلك القدرات فقد لقّبه الفلاسفة والعلماء «أبو الفنون جميعاً».. ولهذا السبب فإنه يفرض على الإنسان والمجتمع واقعه وليس العكس، ويمكن أن نعتبره الأداة والوسيلة التي تحارب كل حالة شاذة في المجتمع من خلال أطروحاته سواء كان ذلك من خلال النص أو التمثيل». وكوني كاتبة مسرحية منذ مدة ليست بالقصيرة.. فأنا أتابع كلّ جديد عنه، نقده وأطروحاته وتجسيده للواقع المُعاش ومحاولة إصلاح ما يمكن إصلاحه من خلال تبني رؤى مبسطة تنقل هموم المجتمع إلى المسئولين أو على الأقلّ تحكي للمجتمع ما يعانيه بطريقة لم يستطع المجتمع نفسه أن يسردها، فهو في النهاية صوت المجتمع بطريقة فنية مرتبة.
في الآونة الأخيرة شاهدنا الشد والجذب بين الممثلة «العنود حسين» والكاتبة والمخرجة «لورين عيسى» حول مسرحية «كلنا حكاية»، وفي برنامج «يا هلا» دافعت لورين عن مسرحيتها وأكدت أنها سليمة وسردت أسبابها.. لكننا بصدد مناقشة ما تضمنته المسرحية من تعابير مسيئة للمرأة السعودية بوصفها «صاحبة الركب السوداء أو رائحة شعرها بصل» وتصويرها بأنها لا تعرف كيف تربي أبناءها أو تصدق مع زوجها لأنها قبيحة ولا تهتم إلا بالمكياج كي تزين نفسها، عدا عن كون البائعة السعودية نصابة بامتياز إذ تمتهن النصب من خلال بيع الأعشاب، كأنّ ذلك يوجد بالسعوديات فقط دون نساء العالمين!
عندما أقول إساءة وأصادق على كلام العنود.. فهذا لا يعني أنني أقف في صفها، بل أقف مع ما أعرفه، فالكتب والمقالات والدراسات التي تناولت المسرح مليئةٌ بأخلاقياته ومبادئه، وأغلبها يُجمع أنّ النصّ المسرحي هو أسلوب من أساليب التعبير الإنساني عن القضايا المجتمعية بهدف التأثير أو الإفادة وذلك بالاعتماد على «رواية الوقائع ضمن إطار زمني ومكاني»، ومن خصائصه «التأثير على آراء المتلقي»، وذلك من خلال تخفى أفكار المؤلف خلف الشخصيات التي يبتكرها فينقل فكرته على ألسنة الشخصيات، وأهم عنصر بناء النص يقوم هو استيحاء الفكرة من الثقافة المحيطة وذلك لاستهداف الجمهور المقصود بعناية ثقافياً وتعليمياً من كلا الجنسين!
فهل هذه نظرة لورين للمرأة السعودية؟ أم هذه حدود معرفتها عن المجتمع منذ طفولتها؟ ولماذا خصّت بها المرأة السعودية، في حين أظهرت اللبنانية بأناقة والكردية والعراقية كذلك؟ ولماذا رفضت التعديل؟ حتى المعاقة التي تناضل في مسرحيتها.. وضعتها في مجتمع لا يقدرها!
وسؤالي للورين.. هل كشفت لكِ السعوديات عن ركبهنّ وشعورهنّ؟ هل دخلتِ منازلهنّ لتعرفي كيف يربّين أبناءهنّ؟ هل الفكاهة هي تمرير الإساءة؟
بالنسبة لي.. يقع الخطأ على عاتق العنود التي شاركت حتى آخر عرض، رغم محاولاتها للتعديل كما قالت.. إلا أنها لم ترفض العمل اعتراضاً على ما جاء فيه!
نحن لسنا ضدّ الفنّ.. لكننا ضدّ الإسقاطات التي نُدين كاتبها ومخرجها ومن وافق عليها والممثلين فيها، ولا بدّ من وقفة لمراجعة النصّ والتثبت منه، وإن ثبتَ ما ثبتَ فعلاً.. فالأنظمة واضحة لا تحتاج إلى تذكير!