سهوب بغدادي
إشارة إلى المقال السابق ليوم الثلاثاء أكمل لكم ما تبقى من قصة الوحش أبو قاسم عندما أشهر الصديق سلاحه عندما كانا يلعبان الشطرنج وفاز عليه فقال «كش ملك» الأمر الذي أثار حفيظة الصديق فقال «كش ملك؟ ماذا تقصد؟ هل ستسلمني إلى الشرطة؟» كانت التهيئات على نمط الأفلام البوليسية عندما يتواطأ المدمن مع الشرطة ليلتقط أقرانه الطعم ويتم تسليمهم إلى العدالة، من ناحية متصلة، يقول الوحش كنت أسافر خارج المملكة إلى إحدى الدول العربية لأتعاطى مع مجموعة أخرى، وعند سؤالي عما إذا كانت جودة المواد تختلف من دولة إلى أخرى فقال: «جميع المخدرات واحدة فالمصدر واحد، إما جماعات إرهابية أو دول معادية، والخاسر الأكبر في المعادلة المدمن، فالإدمان خطة أكبر من تجارة بل هي حرب على الدولة والدين». بعد عشرين عامًا، يرى الوحش أن نشوة التعافي تغلب نشوة التعاطي، وأنه تغلب على الإدمان وخرج منه بنفس الطريقة التي سحل بها إليه، من خلال شخص في زمالة المدمنين المجهولين، قال له «تعال يوم واحد وإن لم تقتنع اتعاطى بيدينك ورجليك» فذهب وعند دخوله تم استقباله «بالأحضان» والترحيب والتشجيع، وشعر للمرة الأولى أن هناك من يفهمه، بل إن الكلام كله ينطبق عليه، فقال «ذلك ما كنت أحتاج إليه» عندها دمعت عيني، لأن إحساس الشخص وهو مذنب ويعي ما ارتكب يمنعه من طرق الأبواب اللازمة، بل الخوف يمنعه من الاقتراب، ولا تزال الأبواب مشرعة أمام الجميع وبكل خصوصية وسرية وأمانة ومهنية، فالسنين التي تمضي في حياة المدمن تمضي زمنيًا من عمره فقط، لكن حياته هي ذاتها «واقفة» و»معطلة» إلى أجل غير مسمى، إن الألم رفيق النمو، وقد تصادفنا الآلام خلال الحياة إلا أن ذلك لا يعني توقفنا عن العيش، الحياة تستحق أن تحارب لأجلها، أخيرًا، يوجه الوحش رسالة خاصة للمدمن: «رسالتي لكل مدمن خلي عندك إرادة لتصل إلى حياة ملونة بدال أبيض وأسود أو تطفي النور أعطي نفسك فرصة في الحياة، واللي يفكر يتعاطى أو يجرب لمرة وحدة، ففي الحياة أكثر من التعاطي وفيها أحاسيس أعلى من إحساس التعاطي فنشوة التعافي تغلب نشوة التعاطي، التعافي رحلة يجب صياغتها مع موجه وإرشاد وابتعاد عن المحظورات، وهناك 12 خطوة لإعادة بناء سلوكياتك أولها الاعتراف، ثم الإيمان أن هناك قوة عظمى، أنا قبل شهر من التعافي كنت أدعي الله ثم ربي سخر لي اللي حمل هذه الرسالة ووجهني، ثم التسليم، لأنك كنت تقود السيارة طول عمرك، فم بتسليم المقود للمرشد والمختص، إن لدينا مقولة لا يخلو اجتماع منها «الوعد واحد والهبات كثيرة» بمعنى أن الوعد هو ترك المخدرات، والهبات ستتوالى وتنهمر من الله عليك بعدها، وهذا ما حدث معي سبحان الله، في هذه الرحلة أمي وأبي كانا ولا يزالان طوق نجاتي فالشكر لله ثم لتواجدهما ودعمهما وتفهمهما لما مررت به واحتوائي في أصعب حالاتي.
من قصة الوحش، أبرز ما لمسته فيها أن دعم الأهل لازم خلال رحلة التعافي، وأن برامج تأهيلية لأهالي المدمنين المتعافين واجبة لضمان استمرارية النتائج والثبات على الحالة والتقدم للحالة، كما إن إيماني ازداد بمقولة الصاحب ساحب، فصديق الوحش الأول سحبه إلى براثن الإدمان بينما انتشله صاحبه الثاني دون أدنى مجهود من وحل السنين العجاف الضائعة، كما نكبر دور الجهات المعنية والمختصة في مجال مكافحة المخدرات وإعادة التأهيل المتاح للمواطن وأبناء المواطنات والجميع، دمتم بصحة وعافية، وحفظكم الله من كل مكروه.
«خلك وحش»