ناهد الأغا
أحتاج قلباً... الشاعر الدكتور ماجد عبدالله
أحتاج قلباً يحتويني
كلما طرق الأسى أبوابي
أحتاج قلباً استظل بظله
ألقي السنين وراءه
وأتي إليه مهرولا
يحنو على قلبي ويسأل مابي
عنوان ديوان، يجلب الأنظار ويُثير الاهتمام، ويبحث العقل بأفكاره المتشعبة، حول ما جال في وجدان كاتبه الشاعر السعودي الدكتور ماجد عبدالله، ومنه مايحاول القاريء معرفة الألم، الذي جل في نفسه لدرجة أفقدته قلبه، وأصبح بحاجة ماسة لقلب جديد، من هو المحبوب، الذي افتقده الشاعر، وأُلقِيَ جراء هذا الفقد والغياب في غياهب جُب الأحزان.
إن حزنه حقاً كبير وبالغ، بعد قراءة القصيدة، التي حملت عنوان الكتاب، فكيف لا يكون حزيناً على فقد أمه، التي انحفرت صورتها وكينونتها وصوتها وكل ذكرياتها في سويداء قلبه، وانرسمت صورتها كالنقش الراسخ على صخرة راسية متجذرة في أعماق الأرض.
يُلمَسُ من كلماته، صعوبة نُطق والتلفظ بكلمة الفقد، فكيف التمعن والبصر بمعناها وأثرها في حياتها بعد الفراق، فليس ما بعد كما هو ما قبل، وكأن الدهر مضى بالشاعر قروناً، وليست أياماً وشهوراً وأعواماً، حتى كأنه غدا رسماً دارسا ًفي ردم الأساطير الغابرة، التي لا يظهر فيها من الحروف سوى أشباه هياكل ورسوم تدل عليها، بعد أن كانت حياته مليئة تزخر بأبلغ القصص والروايات، وعبر الشاعر عن هذه المعاناة في بداية هذه القصيدة، التي جعل منها عنواناً لديوانه، فقال:
لا تسلني يا رفيقي
كيفَ ضاعَ الشوقُ مني..!
كيف أصبَحنا رماداً
بعدَ عُمرٍ مُطمئِنَّ !
غزت حياة الشاعر ألم وغصة، ومشيب اشتعل في الرأس، ووهن عرف طريقه إلى عظامه، وأصبح شيخاً عجوزاً في لحظات قليلة، فشعور الطفولة لم يغادره عندما كان يستنشق أريج عبيرها الشجي، فكم هذا الشعور جلي في أبياته:
قد كنتُ بين يديكِ
طفلاً لاهياً
لكنّ فقدكِ ساقني لِمشيبي,
فطوَيتُ آلاماً وحُزناً ظاهراً
يا ليته يشفى بطبِّ طبيبِ
أُمّاهُ ما أقسى فراقكِ..لم أزَلْ
أهفو إليكِ تُردَدينَ ((حبيبي))
قد تُهتُ بعدكِ في الحياة حبيبتي
وَبِيَومِ فقدكِ كانَ يوم مغيبي...
ندعو الله بالرحمة والمغفرة لكل أم اختارها الله لجواره، وألهم الله بنيها وبناتها الصبر والسلوان، ففقد الأم وحضنها الدافيء ليس بالشيء اليسير، لكنها إرادة الله ولا راد لقضائه، فأين يلجأ المرء في همومه، حين يفقد أمه، وما أجزل قول ابن الرومي في مرثيته لأمه:
هي الأُّمُّ يا للنَّاسِ جُرِّعتُ ثُكْلَها
ومن يبك أُمَّا لم تُذَم قَطُّ لا يُذَمْ
فقدتُ رضاعاً من سُرورٍ عهدتُها
تُعلِّلُنيه فانقضى غيرَ مستتمْ