م. بدر بن ناصر الحمدان
الحديث عن أبي، هو حديث عن شخصية ذات أثر، وليس كأي أثر، رجل كان عنواناً لرحلة ثرية، بثراء من مرّ بها، وخاض غمار تجربتها، تاركاً وراءه إرثاً مجتمعياً أثّر في كل من زامنها، وكان جزءا من ذاكرتها الحبلى بالعلم والعمل والأدب وبكل سلوك إنساني رفيع كان وما زال وسيبقى حاضر في أذهان الآخرين.
ناصر بن حمد بن عبدالله بن حمدان الحمدان من النحيت من قبيلة مزينة العدنانية التي حالفت بني سالم من حرب، ولد سنة 1363هـ في عودة سدير، ونشأ فيها في كنف والده حمد بن عبدالله الحمدان رحمه الله بعد وفاة والدته هيا بنت محمد بن عبدالله السعودي رحمها الله، وتزوج من نورة بنت عبد الله بن عبدالرحمن ابوحيمد في عام 1390هـ، والدتي - أطال الله في عمرها - والتي كانت شريكة تلك الرحلة الطويلة.
أنهى دراسته الابتدائية في مدرسة عودة سدير عام 1385هـ وكان من أوائل الذين تلقوا التعليم النظامي آنذاك، والتحق بعدها بمعهد المعلمين في حوطة سدير وتخرج منه عام 1386هـ، ثم تعين بتاريخ 1-7-1386هـ معلماً في مدارس عدة تابعة لإدارة التعليم بمنطقة سدير آنذاك حتى عام 1391هـ.
في نهاية عام 1391هـ انتقل الى مدينة الرياض لإكمال دراسته في مركز الدراسات التكميلية 1393هـ وتخرج منه، وبعدها تم تعيينه معلماً رسمياً في مدرسة الملك عبد العزيز بمدينة المجمعة، ثم انتقل الى مسقط رأسه بعودة سدير وعمل معلماً ومديراً للمدرسة السعودية لمدة ثلاثة وثلاثين عاماً، الى حين تقاعده المبكر عام 1419هـ.
كانت رحلة حافلة بالتربية والتعليم، تلقى أثناءها عدداً من الدورات التدريبية المتخصصة، وحصل على عدد من خطابات الشكر والجوائز التقديرية، وعلى العلاوة التشجيعية كأحد المعلمين المتميزين على مستوى المملكة عام 1396هـ نظير جهده المتميز طوال خدمته التي كان فيها محل تقدير وثقة وثناء من المسؤولين في إدارة التعليم وفي وزارة المعارف حينها.
لم يكن أبي شخصاً عادياً، بل كان استثنائيا في جلّ مشارب حياته، وهو من بداء عصامياً، معتمداً على نفسه، مخلصاً لأسرته ومجتمعه وعمله، لقد عايشت اهتمامه بالتربية والتعليم منذ كنت صغيراً، وكنت ممن عاصروا تفاصيل علاقته بمدرسته وبطلابه، والتي كانت جزء لا يتجزأ من التزامه العملي والأخلاقي تجاه مسؤوليته الإدارية كمعلم ومدير مدرسة لسنوات طويلة شكّلت تجربة مُحتذاه، انعكست بكل مفرداتها على كل أفراد أسرتنا، وكانوا ضمن دائرة التأثير التي لم تقتصر على المدرسة كمكان بل بكل أبعادها الثقافية والاجتماعية.
هكذا هي ذاكرة التعليم في المملكة، تحتضن روّاداً ساهموا في بناء هذه المنظومة التربوية في وقت مبكر، وكانوا محل ثقة المسؤولين ومجتمعاتهم المحلية، وتخرّج على أيديهم طلاباً أصبحوا هم الآن من يتسنم قيادة أجهزة القطاع العام والخاص كثمرة لعمل دؤوب ومخلص أسسه هؤلاء الروّاد يوما ً ما.
ومن غير أبي..