د. سفران بن سفر المقاطي
الاتصال الثقافي هو عملية تبادل المعلومات والأفكار والمشاعر بين أفراد أو جماعات من خلفيات ثقافية مختلفة، بهدف تعزيز التفاهم والتعاون والاحترام بين الثقافات المتنوعة. لذلك يتطلب الاتصال الثقافي مهارات مثل الإنصات الفعال والتعبير الواضح والتكيف مع السياقات المختلفة. مثلًا، يمكن لشخص من ثقافة عربية أن يتواصل بشكل فعّال مع شخص من ثقافة أوروبية أو صينية عن طريق استخدام لغة مشتركة واحترام الاختلافات الثقافية والدينية والاجتماعية. وأما عولمة الثقافة فهي عملية انتقال الأفكار والقيم والمعاني بين الشعوب والثقافات المختلفة في العالم، بما يسهم في توسيع وتعزيز العلاقات الاجتماعية والتبادل الثقافي على المستوى العالمي، ونشر ثقافة ما إلى أوساط ثقافية أخرى، تؤثر أو تتأثر بها. وتتأثر العولمة الثقافية بعوامل مختلفة مثل التقنية والإنترنت، والتجارة، والسفر، والإعلام، والتقاليد. وتسهم عالمية الثقافة في التنوع والهوية الثقافية للشعوب والأمم المختلفة، لهذا فإن الاتصال الثقافي يعد جزءًا أساسيًّا في تفعيل عالمية الثقافة، ويمثل عاملًا مهمًا في تفاعل الثقافات وتبادل الأفكار والمعرفة بين الشعوب المختلفة.
وفي المملكة العربية السعودية، تعد الثقافة عاملاً مهمًّا في تغيرات الاتجاهات الثقافية في المجتمع السعودي نحو عالمية الثقافية، وتبادل الثقافات بصورة متزايدة مع العالم الخارجي، وتسهم في نشر الثقافة السعودية وتعريف العالم بالتقاليد والعادات السعودية، وتحقيق التفاهم بين الشعوب وتحسين العلاقات الدولية، واكتساب صورة إيجابية لدى شعوب العالم بعيدًا عما تمارسه بعض وسائل الإعلام.
والثقافة السعودية هي ثقافة عربية إسلامية عريقة تتميز بتنوعها وغناها في مختلف المجالات الفنية والأدبية والعمرانية والحضارية، وهي استمرار لامتداد حضاري إنساني منذ آلاف السنين؛ لذلك تحرص المملكة على المحافظة على تراثها التاريخي وتطويره بما يتوافق مع رؤيتها 2030م وحوارها مع العالم. ولذلك تمثل عالمية الثقافة عاملًا مؤثرًا في تغيرات الاتجاهات الثقافية في المجتمع السعودي، وتبادل الثقافات بصورة متزايدة مع العالم الخارجي. وبفضل التقدم التقني وجاذبية الاقتصاد السعودي، تمكنت المملكة حكومة وشعبًا من الاتصال مع العالم الخارجي بسهولة وتبادل الأفكار والمعرفة، وهذا أدى إلى تغيرات في الاتجاهات الثقافية في المجتمع السعودي، ومعرفة الثقافة السعودية في أوساط عالمية.
وعالمية الثقافة السعودية هي عملية تفاعلية بين الثقافة المحلية والثقافات العالمية المتنوعة من خلال الاتصال الثقافي الفعال، لتحقيق رؤية المملكة الطموحة 2030م التي تضم أهدافًا ثقافية مهمة مثل تنويع مصادر الدخل وتطوير الصناعات الإبداعية وتعزيز الهوية الوطنية وتشجيع الحوار مع العالم.. لا سيما أن الثقافة السعودية تتمتع بتاريخ غني وتقاليد عريقة ومتنوعة تنتمي لـ13 منطقة، كما تضم مبدعين سعوديين في شتى المجالات، حيث فاز العديد منهم بجوائز عالمية وتمت استضافة أعمالهم في محافل دولية مختلفة. وفي المقابل تواجه الثقافة السعودية تحديات جديدة في ظل عولمة الإعلام والهجرات البشرية التي تحمل ثقافات مختلفة وأديانًا متباينة، ما يستوجب سياسات إدماج اجتماعي وحفظًا للهوية الوطنية، لهذا تظل عالمية الثقافة السعودية فرصة لإبراز دور المملكة في المشهد الثقافي العالمي، والارتقاء بجودة حياة المواطنين والمقيمين في المملكة، ومحافظة على الهوية الوطنية.
ويمكن للمجتمع السعودي من خلال الاتصال الثقافي الفعال أن يتعرف على ثقافات مختلفة، ويتبادل المعلومات معها، وبالتالي يمكن تحقيق الاندماج بين الثقافات المختلفة والتعايش بسلام خاصة إذا تم الأخذ في الاعتبار المحددات التالية:
أولًا: الاتصال الثقافي ضروري لعالمية الثقافة السعودية؛ لأنه يساعد على سد الفجوة الثقافية بين المملكة وبقية العالم، ويمكن للعالم أن يفهم ويقدر بشكل أفضل الثقافة السعودية.
ثانيًا: يمكن للتواصل الثقافي أن يساعد المملكة على توسيع نفوذها خارج حدودها.
من خلال مشاركة ثقافتها مع بقية العالم، ويسهم ذلك في زيادة قوتها الناعمة وجذب المزيد من الناس إلى شواطئها وأماكنها السياحية، بما يؤدي إلى تعزيز السياحة والاستثمار الأجنبي والتجارة وخلق فرص جديدة لاقتصاد البلاد وصناعة السياحة السعودية.
ولتحقيق هذه الأهداف هذه بعض الأمثلة على مبادرات الاتصال الثقافي بين المملكة والدول المختلفة والشعوب الأخرى:
1- مشاركات المملكة الفعالة في المعارض والمهرجانات الثقافية الدولية، مثل المشاركة في المعارض الدولية للكتاب، مهرجان كان للسينما، معرض البندقية للفنون، وغيرها.
2- تبادل الزيارات والوفود الثقافية بين المملكة والدول الشقيقة والصديقة، مثل زيارة وزير الثقافة السعودي إلى بعض الدول الأوروبية، وزيارة رئيس المجلس الدولي للمعالم والمواقع إلى المملكة. مع أهمية العناية بترشيح عدد من المثقفين والأكاديميين للمشاركة في مؤتمرات ولقاءات ثقافية في الدول المستهدفة بالعلاقات الثقافية.
3- توقيع اتفاقيات وبروتوكولات تعاون ثقافي بين المملكة والمنظمات الدولية، مثل اتفاقية التعاون مع منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (اليونسكو)، وبروتوكول التعاون مع اللجنة الوطنية للمجلس الدولي للمعالم والمواقع (الآيكوموس) السعودي.
4- تأسيس مراكز ثقافية سعودية في بعض الدول، أو دعم المراكز الثقافية الموجودة، مثل المركز الثقافي السعودي في باريس، والمركز الثقافي المغربي- السعودي في الرباط.
وفي الختام، يعد التواصل الثقافي أمرًا حيويًّا في إبراز عالمية الثقافة السعودية ونشرها للمساعدة في سد الفجوة الثقافية بين المملكة وبقية دول وشعوب العالم بتصحيح الصور النمطية والمفاهيم الخاطئة؛ بما يمكّن العالم من التعرف على تاريخ المملكة الغني، وثقافتها النابضة بالحياة، وشعبها الترحيبي، ومن ثم يساعد ذلك في تغيير المفاهيم وبناء صورة أكثر إيجابية عن المملكة وقادتها وشعبها وإنشاء مجتمع عالمي أكثر انسجامًا وتوافقًا يقدر ويحترم الثقافات المختلفة للدول والشعوب.