التراث بحاجة للمعرفة، واحتضانه بحاجة للوعي والالتزام، وإذا أردت أن تقف شامخاً بين الأمم، لا بدّ أن تعرف موقعك بين حضاراته.. وكل ذلك هو المحرك الحقيقي للتنمية ويبني العقلية والشخصية الوطنية.. هذه قناعات صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان بن عبد العزيز المستشار الخاص لخادم الحرمين الشريفين، ورئيس مؤسسة التراث الخيرية، وهكذا يفكّر، ومن ثَمّ تتالى مبادراته لترسخ مكانة المملكة عاصمة تراثية في العالم، برعاية كريمة واهتمام ودعم لا محدود من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، وسمو ولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز - حفظهما الله - في ظل الرؤية الطموحة 2030.
الاتجاه الجديد، هذه المرة تمثل في «مؤسسة التراث الخيرية» التي تعد استكمالاً لسلسلة المشاريع الثقافية والمعرفية والاقتصادية والإنسانية التي دأبت المملكة على تدشينها، منطلقة من قيمها وحضارتها الخاصة.
منذ تأسيس المؤسسة وحتى الآن وهي تتبنَّى برامج ومشروعات تسهم في رفع مستوى الوعي المجتمعي بأهمية التراث عامة، والتراث العمراني على وجه الخصوص، ومن ذلك إصدار الكتب التراثية، سواء لمصلحتها بشكل مباشر، أم لمصلحة جهات أخرى، والإسهام في توثيق التراث السعودي، بالإضافة إلى التراث العربي والإسلامي، كما أطلقت جائزة للتراث العمراني لحفز الباحثين والمعماريين وذوي الخبرة والتجربة إلى إبداع بحوث جديدة غير مسبوقة عن التراث العمراني، واستلهام مفردات هذا التراث وعناصره في إيجاد مشروعات حديثة تجدد شباب التراث العمراني، وتمنحه قوة دفع جديدة، كما تبنت برنامجاً وطنياً للعناية بالمساجد العتيقة، الذي يهتم بالمساجد ذات الخصوصية العمرانية المحلية، وترميم وإعادة تأهيل بعض المعالم الحضارية، إلى جانب تبني مؤسسة التراث مشروعات عمرانية حديثة استلهمت فيها التراث العمراني الأصيل، تعتبر في مجملها إضافة جديدة للمشهد التراثي والعمراني محلياً وخليجياً وعربياً، هدفها النهوض بالعقل الإنساني.
بوضوح شديد، تُشير المؤسسة إلى التزام وطننا بهويته التراثية، ورهانها على دور التراث في الحفاظ على المكونات الحضارية وتنمية فاعليتها في ترسيخ بناء مجتمع التراث، واستيعاب تجليات التحديث، وتوسيع آفاق الانفتاح على الآخرين بما يخدم ويحقق أهدافها وتوجهاتها، لذلك تفوقت فحصلت على الجائزة العربية الكبرى للتراث التي تمنحها المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم «الألكسو»، سنة 2012م، كما نالت «التراث» جائزة الدكتور عبدالرحمن الأنصاري لخدمة آثار المملكة 2017م.
بمؤسسة التراث الخيرية التي تأسست عام 1996م، نفتح صفحات جديدة على اقتصاد المستقبل، ونربي العديد من الأجيال العصية على عناصر الرجعية، ونجذب مزيداً من المحبين والمبدعين للتراث، ونعبِّر عن جوهر تاريخنا الموغل في القدم، ومرتكزاته التراثية والعمرانية في سياق مشروعنا الوطني بأبعاده الحضارية.
ومع مؤسسة التراث الخيرية، وضعت المملكة بصمة جديدة في الشخصية سواء على المستوى الوطني أو الخليجي أو العربي، وصنعت الفرق لدى الأجيال المتجهة إلى المستقبل، بعد أن نجحت في ملء الفراغ في المشهد تراث المملكة بشكل خاص والتراث العربي والإسلامي بشكل عام، ورسخت مكانتها حاضرة تراثية ومنارة عمرانية. ومن العاصمة «الرياض»، يشع نور التنوير وتشكيل الوعي، حاملاً معه إلى الآفاق إشارات حضارية واقتصادية وإنسانية، بعثتها يد الإنسان السعودي، التي اعتاد العالم عليها بأنها لا تمد إلا بالخير والجمال والعناية والاهتمام.