30 عاماً من العمل في ميادين التربية والتعليم، 30 عاماً من الكفاح وتخطي الصعوبات، 30 عاماً من التحدي والمثابرة، سنوات تحققت فيها معظم أهدافه، وأكثر طموحاته، وأغلب خططه، سنوات من التدرج والصعود حتى القمة، سنوات من الثبات على تلك القمة، والترجل وهو في القمة.
إنه الشغف بالعمل، ومحبته، وبالتالي أصبح متعة، ليس مدير تعليم فقط، بل أشمل من ذلك، والناس تشاهد ذلك، ليست للصدفة مجال، ولا للحظ سبيل، بل للرغبة الجامحة، والإخلاص المنقطع النظير. الأستاذ محمد بن عبدالله الطريقي يترجل عن منصبه (مدير تعليم الزلفي) بتقاعد مبكر شهدنا معه مراحل تطور، ونمو متسارع، وقفزات متتالية لتعليم المحافظة، جوائز دولية، وشهادات إقليمية، وإشادات محلية، تواجد مشرف في كل محفل، وظهور رائع في كل مهرجان، حصدنا ميداليات ذهبية، وكوؤس ودروع وأوسمة مختلفة، أصبح اسم تعليم الزلفي له صيت عال - بفضل الله -، وعلى مستوى المحافظة نشاهد الدور الفاعل والمتميز للتعليم بتنظيم الاحتفالات والاستقبالات، وتفعيل المناسبات الوطنية، وترجمة الدور المجتمعي على أكمل وجه، وبالقيام بالمهام التطوعية بمجال واسع، والسعي لكل ما يخدم المحافظة بصدق وإخلاص.
الأستاذ محمد الطريقي لم يتول منصب مدير التعليم فجأة، وكأنه نزله له كما يُقال بالباراشوت، بل بدأ حياته معلماً ثم رائداً للنشاط ثم وكيلاً ثم مديراً لمدرسة، وبعد ذلك تولى منصب المشرف للبرامج العامة والتدريب، فمديراً للنشاط الطلابي، ثم مساعداً لمدير التربية والتعليم بنين، وبعد ذلك كُلف مديراً للتربية والتعليم - بنات - وأخيراً تم تعيينه في عام 1431هـ مديراً للتعليم بمحافظة الزلفي حتى يوم تقاعده في تاريخ 4-12-1444هـ، ونلاحظ في مسيرة مروره بجميع المراكز والمناصب التي اكسبته الخبرة الكافية، فلا يجد صعوبة عندما يأتي إليه رئيس أو موظف أي قسم أو جهة بمشكلة أو بطلب مساعدة، فقد سبق له العمل بهذا المجال مما يسهل عملية التواصل بينهم وإيجاد الحلول، وتحقيق الأهداف، فكم هو جميل أن تعمل تحت قيادة مدير قد شغل نفس عملك وخاض نفس الصعوبة التي قد تواجهها، فمن الطبيعي أن يتجاوب معك بسرعة وينفذ لك كل ما تريد.
ومما يميز الطريقي (لمست ذلك مباشرة من خلال عملي الصحفي) حرصه الشديد (الذي لا يوصف) على تعزيز الانتماء الوطني وذلك من خلال تأصيل حب الوطن والانتماء له في نفوس الطلاب، وذلك بتعزيز الشعور بشرف الانتماء إلى الوطن الغالي، والعمل من أجل رُقيه وتقدمه، وإعداد النفس للعمل من أجل خدمته ودفع الضرر عنه، والحفاظ على مكتسباته، وغرس حب ولاة الأمر - حفظهم الله - في نفوسهم.
الأستاذ محمد الطريقي تتميز كلماته بالارتجال فلا تجده يحمل ورقة، أو يُعد كلمة، أو يُجهز مقالة، يتحدث وكأنه يغرف من بحر مختلف العلوم، يسترسل وكأن أمامه جهاز يقرأ منه، يُسهب في الحديث وكأنه قد حفظ ما يقول عن ظهر قلب، يتحدث وتود ألا يصمت من حُسن التناسق، وجمال اختيار الجمل، وتوجيه النظرات بالتساوي نحو الحضور.
كما لمست (من خلال ريادتي للنشاط) أثناء زيارته للمدارس أنه لا يُحبذ مراسم استقبال مُكلفه، ولا مظاهر مرهقة، ولا مشروبات ومأكولات، ويقول (لم نأت لنأكل أو نشرب)، ويشهد الله أننا لا نقدم ضيافة سوى القهوة المعتادة لجميع زوار المدرسة، وتجده أثناء زيارته يوجه نظراته يمنة ويسرة، ويلتقط كل صغيرة وكبيرة في الموقع، وعند انتهاء زيارته يشكر ويُثني ويذكر الإيجابيات ويمتدحها، ثم يُعرج على السلبيات وهو يستصغرها (تواضعاً، وحكمة، وفن إدارة).
الأستاذ الطريقي كان مميزاً في تواضعه الذي يشهد به الجميع، فدعوته لا تحتاج بروتوكلاً معقداً، فقد دعوته لزيارة المدرسة مرات لا أحصيها، وجلها بطرق لا تحتمل التنسيق الصعب، بل إن شعاره: أنا مستعد أن أزورك بأي وقت وحين لنكرم الطلاب، أو نشكر العاملين، أو نرى الجهد والأعمال داخل المدارس.
الأستاذ محمد الطريقي توج مشواره بتكريم خاص من قبل معالي وزير التعليم الأستاذ يوسف البنيان، وبحضور سعادة مدير تعليم منطقة الرياض د. حسن خرمي وقيادات الوزارة، وحصد ما زرع من محبة في نفوس الناس من خلال التفاعل الكبير عبر مواقع التواصل من مختلف الأطياف.
حقاً التعليم سيفتقد الطريقي، ولكن عزاؤنا أن بلادنا المباركة ولادةً للكفاءات، وتقدم المميزين بكل سخاء لخدمة هذا الوطن المعطاء.
وفق الله الطريقي في حياته الجديدة، وجعل ما قدم في موازين أعماله الصالحة، ووفقه لكل خير، ومتعه بالصحة والعافية، وأمده بالعمر المديد إنه سميع مجيب.
** **
- الزلفي