فلسطين قضية القضايا العربية، والشرق أوسطية، والدولية على السواء، من لم يدرك ذلك بعد خمس وسبعين عاماً على صدور قرار الجمعية العامة رقم 181 القاضي بتقسيم فلسطين إلى دولتين والقرار 194 القاضي بعودة اللاجئين الفلسطينيين والقرار 242 القاضي بانسحاب (إسرائيل) من الأراضي المحتلة لعام 1967م، وحل مشكلة اللاجئين، والقرار 2334 القاضي بوقف الاستيطان وعدم شرعيته.
وسلسلة القرارات الأممية التي أدانت ورفضت الاستيطان الصهيوني وتغيير معالم الأراضي الفلسطينية المحتلة لعام 1967م، وبعد أن مارس الشعب الفلسطيني على مدى قرن كامل أو يزيد كافة أشكال النضال والمقاومة المسلحة والسلمية، ومقارعته للمستعمر الإسرائيلي في كافة المحافل الدولية، فإنه سيكون عاجزاً عن الفهم لطبيعة الصراع كونه مصدرا رئيسيا إن لم يكن الأول لمختلف مشاكل المنطقة العربية والشرق أوسطية وفي مقدمتها ما يسمى بالإرهاب، وبعد انفراد أمريكي دام ثلاثين عاماً للإشراف على مفاوضات ثنائية إسرائيلية - فلسطينية، بغرض التوصل إلى اتفاق سلام ينهي الصراع بين الطرفين، والذي وصل إلى فشل ذريع، وإلى طريق مسدود، بسبب التعنت والتطرف الإسرائيلي والطمع في التوسع على حساب الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني وانكارها من جهة، والانحياز الأمريكي الأعمى وعدم الرغبة الحقيقية لديه في فرض الحل من جهة ثانية، والشعب الفلسطيني بدوره يتمسك بحقه الكامل في العودة وتقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس.
فقد سئم الشعب الفلسطيني بكل مكوناته وقيادته من هذا الانحياز الأمريكي الأعمى، والتسويف والمماطلة الدولية في تفعيل الشرعية الدولية بينه وبين الكيان الصهيوني وشلها، ما دفع الشباب الفلسطيني إلى إطلاق انتفاضته الشعبية والسلمية، والتي لم يجد سوى القليل من الوسائل البسيطة ليذود فيها عن كرامته، وعن حقه في العيش حراً كريماً في وطنه، قد أعاد بذلك إلى الأذهان المتجاهلة لحقائق الواقع، أن قضيته عصية على النسيان، وأنه يرفض الاستسلام والإذعان، ويبحث جاداً عن حقوقه المشروعة وعن الأمن والسلام له وللآخرين، رغم بطش العدوان الصهيوني المتصاعد في ظل حكومات اليمين المتطرف المتعاقبة وآخرها الحكومة التي انتجتها انتخابات 1 نوفمبر 2022 حكومة اليمين الصهيوني الفاشي التي لا تفكر سوى بالحلول الأمنية القائمة على القتل والبطش والاعتقال ونسف البيوت والتوسع الاستيطاني واطلاق يد المستوطنين باجتياح القرى والطرق وحرق الممتلكات والاعتداء على الآمنين، وسياسة الحواجز، والفواصل العنصرية، التي يمارسها الكيان بأبشع صورها، واستمرار توسعه الاستيطاني، وتهديده للمقدسات الإسلامية، وسعيه لاقتسامها مكانياً وزمانياً، كل ذلك تمهيداً للسيطرة الكاملة والمطلقة عليها، كل ذلك أجج المشاعر الوطنية والقومية والدينية لدى الشباب الفلسطيني ودفعه للانخراط في هبة وانتفاضة جديدة ونوعية، أفقدت الكيان الصهيوني صوابه، وبدلاً من أن يستجيب للإرادة الدولية ولرغبات الشعب الفلسطيني في إنهاء احتلاله ووقف سياساته، أخذ يبحث عن حلول أمنية وعسكرية من جديد اكثر بطشا ودموية، ظناً منه أنه يثني ويكسر الشعب الفلسطيني وقيادته عن مطالبهم المشروعة، مستنجداً بحلفائه الغربيين كالعادة، وفي مقدمتهم الولايات المتحدة، للمساعدة فيما يسمى تهدئة الأوضاع، والضغط على القيادة الفلسطينية بل تهديدها بالحصار، والإبعاد، ووقف المساعدات الدولية الغربية عن السلطة الوطنية، من أجل اضعافها والعودة بالوضع إلى ما كان عليه، ليستمر في سياساته الغاشمة القائمة على إنكار الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني ومواصلة توسعه في بناء المستوطنات.
فلسطين اليوم، الشعب والقيادة تنتفض، لا يبحثون عن تهدئة، أو مزيداً من الثرثرة العبثية تحت مسمى مفاوضات وغيرها، إنهم يريدون اليوم حلا وبشكل محدد:
أولاً: توفير الحماية الدولية للشعب الفلسطيني، ومقدساته الإسلامية والمسيحية، من إجراءات وبطش الاحتلال واجتياحات مستوطنيه، وكف يده العابثة بأمن وحياة الشعب الفلسطيني ووقف سياسة الحصار والتجويع والاعتقالات والإعدامات التي يتعرض إليها أبناء فلسطين على الحواجز ونقاط التماس وغيرها، ووقف سياسة العقوبات الجماعية وهدم البيوت واحتجاز جثامين الشهداء والأسرى.
ثانياً: تفعيل الشرعية الدولية، وتدويل الصراع، وإنهاء الاستفراد الإسرائيلي الأمريكي بالشعب الفلسطيني، وصولاً إلى حل ينهي الاحتلال الإسرائيلي ويزيل الاستيطان والجدار، ويمكن الشعب الفلسطيني من إقامة دولته على حدود الرابع من حزيران وعاصمتها القدس، وحل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين وفق القرار 194.
دون تحقيق هذه الشروط في أي تحرك أو مسعى دولي سواء من الولايات المتحدة، أو من الرباعية الدولية، أو الأمم المتحدة بشكل عام، فإن الهدوء والأمن والاستقرار لن يعود إلى فلسطين، بل سوف يتصاعد العنف، ولن يقف الشعب الفلسطيني حينها مكتوف اليدين، وستستمر الانتفاضة والمقاومة الفلسطينية بكل الأشكال والوسائل حتى يذعن العالم بقواه المختلفة والكيان الصهيوني لمطالبه، ولن يقتصر أثر الانتفاضة هذه المرة على الكيان الصهيوني، بل سيتأثر بها الجميع، وسيتردد صداها في كل العواصم العربية والدولية، إلى أن يفرض الحل المقبول فلسطينياً وعربياً ودولياً، وهذا سيشكل مدخلاً رئيسياً لمكافحة الإرهاب وتجفيف مصادره في المنطقة الشرق أوسطية.
فلسطين اليوم تريد حلاً متوافقاً مع الشرعية الدولية، لا تهدئة مؤقته أو دائمة ولا ثرثرة دولية باسم استئناف المفاوضات العبثية حول الصراع وتسكين الصراع ومنح مدد للاحتلال لإكمال مشاريعه العنصرية الاحلالية التوسعية والعدوانية على الشجر والحجر والبشر.