د.شريف بن محمد الأتربي
تتسابق جميع المؤسسات والمنظمات باختلاف أنواعها على الابتكار في منتجاتها أو خدماتها التي تقدمها لعملائها لضمان ولائهم لها، وعدم الاتجاه نحو مؤسسات أو منظمات أخرى خاصة في مجال عالم الأعمال المرتبط بالمال. وحتى تحقق هذه المؤسسات أو المنظمات هدفها فهي تعمل على توفير بيئة عمل تشجع على الابتكار، وتسهم في حفز منسوبيها على طرح أفكارهم الابتكارية بصورة سلسة ومنظمة وبما لا يجحف بحقوقهم المادية او الفكرية.
غالباً ما يخلط القراء أو المهتمون بتحسين جودة العمل للمؤسسات والمنظمات بين مفاهيم ثلاثة، الابتكار، والاختراع، والإبداع، ولكل منها معنى وتفسير يختلف عن الآخر وإن كان هناك خيط رفيع يربط بينها وهو الفكرة.
فالاختراع هو كل فكرة جديدة، ذات فائدة، ولها قابلية للتطبيق الصناعي، أي بمعنى أن يكون الاختراع جديداً ومن الممكن تصنيعه، وأن يكون سهل التطبيق على أرض الواقع، ومن ثم يسجل للمخترع براءة اختراع، وتُحفظ له حقوقه.
ويعد الاختراع واحداً من أهم أسباب بقاء الإنسان على كوكب الأرض واستمرار ذريته - بعد الله تعالى - فحين أسكن الله تعالى آدم -عليه السلام - وذريته الأرض لم يكن لديه سوى الأسماء التي علمها الله تعالى له خلال فترة وجوده في الجنة، لذا فقد كان عليه أن يعمل هو وأبناؤه على التكيف مع واقع الحياة الجديدة التي يعيشونها من خلال التفكير في أدوات تساعدهم على العيش أولاً، ومواجهة الأخطار المحيطة بهم ثانياً، فاخترعوا الفأس، والأقواس، والرماح، والسهام، من خلال تشذيب الصخور، والعظام، وقرون الحيوانات، والعاج، وهذه الأدوات كانت كافية لمواجهة متطلبات الحياة في ذاك العصر.
سرعان ما تطورت الحياة، وبدأ الإنسان في اختراع كافة الأدوات والممكنات التي تساعده على التواؤم مع حياته الجديدة، ومع كل اختراع جديد يقف العالم عاجزاً عن تخيل كيف كانت حياته قبل هذا الاختراع خاصة في مجال العلوم التطبيقية.
وحتى يسمى الشيء اختراعاً، فلابد أن يكون له فائدة على البشرية وليس مقصوراً على جانب واحد فقط منها، كما أنه لا يقف على شكل نهائي، ولكنه يتطور من خلال توليد أفكار أخرى تحسن من استخدامه وتطور من أدائه. ويمكن توضيح الفرق بين الاختراع والابتكار في كون الابتكار يقوم على استخدام فكرة معينة أو أسلوب بشكل أكثر فاعلية مما هو معتاد، بينما الاختراع يقوم على استنباط أفكار وأساليب لم يعرفها الإنسان من قبل.
وعلى الجانب الآخر يأتي الإبداع شريكاً للاختراع والابتكار في كونه فكرة يتم العمل عليها سواء فردياً أو جماعياً، ويشار للإبداع بأنه: القدرة على الإتيان بأمر جديد في أي مجال من مجالات العلوم أو الفنون أو الحياة بصفة عامة، أو في مجال عالم الأعمال بصفة خاصة، كما يمكن كذلك وصف طرق التعامل مع الأمور المألوفة بطرق غير مألوفة على أنّها إبداع، ويدخل في نطاق ذلك دمج الأفكار والطرق القديمة بعد تمريرها على المخيلة للخروج بنتيجة جديدة، ويكون الإبداع في الغالب فرديّاً، وهو المرتبط بالفنون أو الابتكارات العلميّة، إلا أنه يمكن إخراج عمل إبداعي بواسطة المشاركة الجماعيّة لعدة أشخاص.
أما الابتكار فهو: هو التطوير المبدع لإيجاد حلول جديدة لمشكلات تواجهنا في حياتنا اليومية، وقد يكون الابتكار فكرة جديدة، أو سلوك غير مألوف، أو تصميم مبدع، أو أسلوب جديد يختلف عن الأساليب التقليدية المألوفة.
ويعرف الابتكار داخل المؤسسة بأنه: الطريقة المثلى للتحديات التي تواجهها المؤسسة وهو أيضاً الفكرة والسلوك والجديد الذي لا يشبه الأشكال الموجودة والسابقة، ويعمل على توليد أفكار لتطوير المؤسسة ودفعها إلى الأمام، وهذه الأفكار الجديدة توفر وجهات نظر مختلفة وتعمل على تنسيق الأفعال الضرورية لتنفيذ الأفكار وجعلها مبتكرة.
ويعد الابتكار أمراً ضرورياً للمؤسسات والمنظمات للحفاظ على قدرتها التنافسية في سوق العمل، كما أنه يساعد على التحسين المستمر لمنتجاتها وعملياتها، وكذلك الخدمات التي تقدمها، إلى جانب الاستراتيجيات التي تتبعها سواء في عمليات الإنتاج، أو تقديم الخدمات.
والمؤسسة الجامدة التي لا تلقي بالاً للتغيير الذي يدور من حولها لن يكون لها مكانٌ في السوق في أسرع وقت وستنحصر حصتها السوقية سريعاً وستفقد عملاءها، وحتى مع تراجعها وتبنيها للأفكار الابتكارية لن يكون دخولها أو عودتها مرة أخرى للسوق بنفس سهولة تطبيق الأفكار الابتكارية أثناء تواجدها القوي في السوق، ولعل النظر إلى شركة نوكيا وأريكسون في مجال الهواتف المحمولة خير دليل على ذلك.
وختاماً فإن الابتكار والاختراع والإبداع ثلاثة عناصر مهمة لأية مؤسسة أو منظمة، ويوجد خيط رفيع يفرق بينها وهو أن الإبداع يعمل على توليد أفكار جديدة، بينما الاختراع يجعلها ملموسة، والابتكار يجعلها ذات قيمة.