حسن اليمني
الشهرة وحبها وحب البروز بأي ثمن لم يعد مقتصراً على التفاهات السهلة التي تغري الحالمين بها، بل تجاوزته إلى مؤسسات خدمية غايتها وهدفها الأصيل أمن وسلامة الوطن والمواطن في الصحة والتعليم على الأخص.
المشافي والجامعات لدينا صارت شغوفة بأي خبر يظهر تصنيفاً وتمييزاً لها بأي درجة، يظهر في وسائل الإعلام الغربية بالخصوص، وفي سبيل ذلك تصرف قسماً مهماً من اهتمامها في هذا الجانب، ولا بأس بذلك ما لم يتجاوز هذا القسم أو الجزء من الاهتمام بالأصيل من اهتمامها وغاية وجودها، والذي نرى فعلاً وبشكل واقع ومحسوس تقدم واهتمام في السنوات الأخيرة بما يستحق الفخر والاعتزاز، لكننا أيضاً ما زلنا نرى بعض النقص وننشد الكمال.
ثناء ومديح مراكز التصنيف الغربية لا شك أن له تأثيراً جانبياً بشهرة تدخله في مزاحمة أو تنافس في الظهور مع مثيلات في الغرب تحتل المراكز الأولى في التصنيفات على مستوى العالم، غير أن هذا التشهير والتصنيف المتقدم لا يزيد علماً ولا يشفي علة بأكثر من تجويد المادة العلمية والدواء الصحيح بشكل فعلي حقيقي ظاهر للأذن والعين دون صوت أو صورة بل بفعل حقيقي مجرب ومعاش.
حين تستعير جامعة سعودية (فرضاً) بحث غربي متميز ليسجل باسمها بهدف الحصول على درجة في التصنيف فإن هذا يكون على حساب البحث الوطني والإنتاج الأكاديمي الوطني، وحين يكون هذا على حساب ذاك فإننا نضحي بالقيمة لحساب الشكل، والاستمرار في ذلك يحول جامعاتنا إلى كراتين مزخرفة بلا مضامين جدية، وهو الخيار الأسهل الذي يستر ويغطي الضعف والعجز في الجودة بالاكتفاء بالتلميع والزخرف الظاهري عن القيمة والمضمون الفعلي.
من المفيد أن نذكر أن تصعيب الحصول على الدراسة الجامعية لا يحتسب في خانة الجودة بقدر ما قد يكون نتيجة خلل في عملية التعليم الأساسي الذي جعل الحاجة لاجتياز اختبارات القياس والقدرات هادماً لأحلام كثير من الطلاب والطالبات بما يحتويه من عمق تنوعي في المعرفة، في الغالب لا يوفره مناخ التعليم الثانوي، الذي تتفاوت فيه الإمكانات اللازمة بين مدارس الثانوية، حسب جغرافية بيئتها من مدن وقرى وهجر، بل حتى في داخل المدن الكبرى حسب تفاوت بيئة أحيائها وديمغرافيته، وهي أمور يتم تجاوز قراءتها ودراستها وتوفير الحلول الأنسب لها بتوحيد فرص الوصول للدراسة الجامعية، عبر بوابة القياس والقدرات، مما يركل طموحات الكثير الذين ربما وجد فيهم من يفوق في قدراته الذاتية بعض المحظوظين الذين يصلون للدراسة الجامعية والتخرج بقدرات صلبة غير مرنة ولا تفاعلية، قادرة على الإفراز الجيد من مخرجات المعرفة، والذي نراه فعلياً في كثير من الضعف في التطبيق، كما أن تصعيب الوصول للدراسة الجامعية، مع وجود ثقافة اجتماعية تحارب العمل المهني أو بالأقل، لا تعطيه قيمته الحقيقية بما يزيد نسب البطالة، ويعين في دفنها في غلاف البطالة الخفية التي صارت تتوسع اليوم بمثل الوظائف الصورية ذات المداخيل الضعيفة، ولا أعرف ما الذي يمنع من جعل ثقافة القدرات والقياس مادة تدرس في الثانوية بعنوان ثقافة عامة لتجعل اختبارات القياس والقدرات للوصول للدراسة الجامعية أكثر منطقية.
وفي مجال المشافي الصحية فإنه من المزعج حقاً أن تسعى مشفى للحصول على تصنيف خارجي، في حين أن المريض ينتظر أشهراً للحصول على موعد مع الطبيب دون أن يؤخذ عامل الزمن للمرض ومراحله، وحين يصل للموعد المحدد ينتظر بالساعات الطوال تفرغ الطبيب الذي لا يلتزم بموعد أو لا يعطي الاهتمام للموعد مع المريض أو ظروفه وظروف الانتظار، وانعكاسها على صحته ونفسيته وعلى مرافقيه، وهنا يصح أن نسأل عن قيمة التصنيف الغربي لهذا المشفى الذي يتعامل مع المرضى كتعامل السائح مع الوقت.
إن التحول إلى الاعتماد على التصنيف المحلي بدلاً من التصنيف الأجنبي بالمعايير الحقيقية والسليمة التي تظهر من خلال مخرجات التعليم في هذه الجامعات ومدى فائدة الوطن والمجتمع منها هو الأصوب، بل الصواب بعينه وحقيقته، ولا يمكن الوصول إلى مخرجات تعليم إيجابية دون وجود بحث ودراسات تعين وتساعد في رسم الخطط والمراحل بشكل صاعد مراقب ومتابع بمراحله ودرجات تقدمه لتكون قيمة المخرج الوطني هو أساس التصنيف والتميز، ولن نستطيع الوصول إلى هذا القدر المتقدم من الإنتاج ما لم نخلق البيئة الصحيحة والسليمة للإبداع الذي يوجب أولاً التخلص من شوائب وعيوب التعامل الإداري الذي يلوث بشكل خفي حافز الإبداع والطموح لدى المجتهد من جانب، ويتأخر عن توفير سبل ترقية الجهد الضعيف وتقويته، وهذه خصائص طبيعية في بيئة العمل تخلقها ظروف العلاقات في البيئة الوظيفية.
إننا في حاجة لإدارة تصنيف محلية تبنى على نتاج المخرجات بالنسب الإيجابية للمستفيدين من جانب ومدى انبساط هذه المخرجات في جودتها على الوطن والمواطن بشكل عام في الجانب الآخر ثم على مدى نسبة التلاقي الإيجابي في الجانبين وساعتئذ يكون التصنيف الغربي المبني على هذه القواعد محل اعتزاز وفخر لقيمة حقيقية ملموسة لا شكل إعلامي لا ملمس له.