طفلة النفيعي
في ثقافتنا وموروثنا الشعبي لماذا يختار الناس الأمثال الشعبية السلبية والمحبطة دائمًا ليسقطوها على أسلوب الحياة والتي وصلت إلينا من زمن الأجداد ومن بعدهم الأبناء, هل لأنها راسخة في ذاكرة التاريخ؟ لتمتد بعد ذلك إلى الجيل الثالث من الأحفاد، حتى أصبحت متوارثة، أتساءل هُنا لماذا هذهِ الأمثال السلبية حاضرة وبقوة في المشهد اليومي لحياة الناس سواء الأفراد أو الأسر وفي أغلب المجتماعات العربية وليس مجتمعنا فحسب؟ بل في المجتمعات البشرية بل وفي حضارات الغرب والشرق, وقد نجد رابطاً قوياً في الكثير منها بين الشعوب وإن كانت تختلف في بعضها من حيث الصيغة واللفظ ولكن في لمعنى الاستدلالي متشابهة إلى حدٍّ كبير, والغريب العجيب أن هذهِ الأمثال الشعبية يسهل على الناس حفظها عند سماعها من الوهلة الأولى ليتم تداولها بين الناس «بسرعةٍ تسبق البرق», على رأي الشاعر الشعبي حجاب بن نحيت رحمه الله، عند أي حدث طارىء أو موقف أو قصة من القصص الإنسانية بالرغم من إنها سلبية ومحبطة في أغلبها مثالاً على ما ذكرته هذا المثل الذي كثيراً ما نسمع الناس تردده وبكل ثقة «العين بصيره واليد قصيره».
أو «مد رجولك على قد لحافك»؟
بمعنى أن على الإنسان أن يرضى بما هو عليه من حالة اجتماعية متواضعة, وأن لا يغادر منطقة الراحة, إذًا لو استبدلنا هذا المثل وقلنا بل على الإنسان أن يحاول مرة تتبعها العديد من المرات وكما يقال: «أفجوجها للغانمين وساع» سعيًا في أرض الله الواسعة في البحث عن العمل والفرص الجيدة التي تساعده على تحسين وضعه الاجتماعي وحتى يكون «لحافه راهبًا» وذلك بطلب الرزق بعد التوكل على الله سبحانه وتعالى بالبحث المستمر، وتطوير المهارات التي يمتلكها الإنسان واكتشافها بدلاً من ندب الحظ والوقوف في مكانٍ واحد أسيراً لهذه ِ الأمثال الشعبية السلبية التي سمعها وصدقها عقله الباطن, دون التصدي لها بهمة عالية وتقدير لذاته وذلك باتخاذ القرار الشجاع والإقدام بالخطوة لأولى التي هي أساس نجاح رحلة الألف ميل.
في صغري كثيراً ما كنت أسمع والدتي «أمي نورة حفظها الله» وكبيرات السن الحكيمات من نساء العائلة اللاتي عاركن الحياة وعركتهن وقد تغلبنّ على شظف العيش في سنين قد خلت يرددن هذا المثل الشعبي المحفز بلهجة أهل نجد
«الرزق يبي حرفة القدم»
و»في كل حركة بركة»
أي على الإنسان التحرك والبحث عن مصدر الرزق والعمل الطيب الحلال في أي مكان كان في أرض الله الواسعة بالسعي في مناكبها وأن لا ينتظر ويقعد لائماً لنفسه محسوراً فالسماء لا تمطر ذهباً أو ينظر إلى ما في أيدي الناس يعطوه أو يمنعوه بل عليه أن يحفز نفسه بنفسه ويتذكر ويتمثل قول الشاعر الشعبي في هذا البيت الجميل الذي أصبح مثلاً مُحفزاً يحث على العمل وعزة النفس وأن يضعه كما يقولون أهل المحروسة إخواننا المصريون «حلق في آذانه الثنتين»:
«إن كان ما شرب الفتى من يمينه
شربن على يدين الرجال هماج»
وبعد أيها القارئ الكريم أرجو أن تكون الفكرة وضحت لك من خلال هذهِ النافذة عبر صحيفة الجزيرة الغراء وكما قال: الشاعر الفارس الشيخ راكان بن حثلين:
«ما قل دل وزبدة الهرج نيشان
والهرج يكفي صامله عن كثيره»