إيمان الدبيّان
سبب وجودي وأساس تربيتي ومنطلق توفيقي، أمي التي بشغف الحياة أنجبتني، وعلى الدين والفضائل ربتني، وبدعاء الأم وجهتني، أمي التي علمتتي معنى الحب الحقيقي للحياة والناس في وجودها، وأفهمتني معنى الحزن والفقد والكسر في رحيلها، ينزف قلبي ألماً قبل دمع عيني وتفتقد روحي حضنها قبل جسدي ولا أملك إلا أن ألجأ إلى رب كريم استضافها وإلى جواره اختارها، فأدعوه بإلحاح يغشاه تذلل، وبرجاء يحيطه تأمل بأن يرحمها ويغفر لها ويجعل الفردوس منزلها وييسر حسابها وبالحسنات يثقل ميزانها ويجعل قبرها نورًا وجزاءها حبورًا.
عندما أكون بعيدة عنها أول تواصل هاتفي في الصباح باكرًا معها، وأول عبارة أسمعها منها (هلا والله) والآن انطفأ صباحي وفقدتُ لأبواب التوفيق مفتاحي، دعواتها عصاي التي أتوكأ عليها وأهش بها على آمالي وأحلامي فتنير وتتحقق أهدافي.
علمتني معنى الحب عند الأنثى في حبها لأبي -حفظه الله- وفي احترامها له وتقديسها لارتباطهما طوال حياتها وكيف كان اهتمامها بكل تفاصيل احتياجته مأكلاً ونوماً وملبساً حتى وهي في لحظاتها الأخيرة.
البساطة منهجها، والتواضع نبراسها، والفقراء أصحابها، والكرم منوالها، والاستضافة ديدنها، والابتسامة عنوانها، والإيجابية دستورها، والتسامح دروسها، والقرآن بجوارها، تمازح الصغير والكبير، تستقبل في وسط دارها القريب والبعيد، تعطف على الفقير والمسكين، تبذل للمحتاج والمقتر، لم تأخذ الشهادات ودفعتنا وشجعتنا على أخذ أعلاها، تقرأ وتكتب ودرستنا وحفظتنا دروسنا وتابعتنا في مدارسنا وأداء واجباتنا، كانت لؤلؤة في عقد يجمع أبناءها وزوجها، انفكت واسطة العقد وبقيت حباته ولكنها ستكون منتظمة وغير منفرطة، منصورين على حزننا وانكسارنا، ثقة بالرحمن، وتغريداً للحياة، وأريجاً للمستقبل، ومنالاً للنجاح، إيماناً بقضائنا وقدرنا، وعبادة لله يقيناً وثقة.
باسم أبي الذي يهزنا بكاؤه عليها، وباسم إخواني وأخواتي الذين يقهرني حنينهم إليها، وبكل حب وفضيلة وعرفان وقيمة غرستها أمي فينا أرفع كل الشكر والدعاء بوفير الأجر والجزاء لكل من شاركنا العزاء بالحضور والاتصال من الداخل والخارج، ولكل من تكلف وجاء أو آزرنا من بعيد بالابتهال والرجاء في بطاح مكة جيراناً ومعارف وأرحامًا وأصدقاء، وفي القصيم والرياض أهلاً وعائلة وأصهارًا وأقرباء.
قلبي مقهور وقلمي مكسور وعيني تفتقد النور وروحي بلا سرور وحبر حرفي بلا لون ولا عطور، ومقال اليوم نقطة من بحر فضائل أمي استثناء وشعور ودعاء لرب غفور أن يرحمك يا أمي ويجعلك في الجنات مع الأنبياء والشهداء في سرور ونور.