د.شريف بن محمد الأتربي
قبل فترة وجيزة أصدرت شبكة حلول التّنمية المستدامة التابعة للأمم المتحدة تقرير مؤشر السعادة العالمي Happy Planet Index (HPI في العالم لعام 2023 ومنها العالم العربي، وهو مؤشر يقيس مدى السعادة في الدول والمجتمعات استناداً إلى دراسات واحصائيات متعددة بشكل تراكمي لمدة زمنية تبلغ 3 سنوات، وقد ارتبط هذا التقرير بالسنوات من 2020 - 2022م. ويعتمد التقرير على بيانات المسح العالميّة للأشخاص من حوالي 156 دولة، ومن أهم ما جاء فيه تحسن ترتيب المملكة العربية السعودية لتصبح الثانية عربيا.
وفي هذا التقرير يتم تصنيف سعادة الشعوب وفقا لعدد من المعايير التي وضعتها الأمم المتحدة بحيث يراعي مجالات عدة منها: متوسط عمر الفرد، وحجم الرعاية الاجتماعية المقدمة له، وكذلك تدني مستوى الفساد، إلى جانب المساواة بين المواطنين، ولم يغب عن المعايير العنصر المادي، حيث أعتبر مقدار دخل الفرد من إجمالي الناتج المحلي واحدا من معايير التقييم الهامة للمؤشر.
ويرى المشرفون على التقرير أن الأمراض العقلية، والفوائد الموضوعية للسعادة، والأخلاق تمثل مؤشرات واضحة للسعادة والتي تعكس بدورها صورة أوضح للتنمية أفضل من المعايير التقليدية التي تستخدم لقياسها. فمؤشر الأمراض العقلية والنفسية، وتحقق الفوائد الموضوعية للسعادة، وانتشار الخلاق الحميدة بين الأفراد؛ تساهم بقدر كبير جدا في تحقيق التنمية البشرية والتي تعكس القدرات التعليمية والخبرات والمهارات للمواطن، والذي يستطيع من خلالها؛ وباستثمار جهوده وجهود من حوله في الوصول إلى مستوى مرتفع من الإنتاج والدخل، مع التمتع بحياة صحية ونفسية قويمة.
والسعادة حسب ما عرفها أفلاطون هي: عبارة عن فضائل الأخلاق والنفس؛ كالحكمة والشجاعة والعدالة والعفة، كما أضاف أفلاطون بأن سعادة الفرد لا تكتمل إلا بمآل روحه إلى العالم الآخر.
فيما عرفها أرسطو بكونها: هبة من الله وقسمها إلى خمسة أبعاد، وهي: الصحة البدنية، والحصول على الثروة وحسن تدبيرها واستثمارها، وتحقيق الأهداف والنجاحات العملية، وسلامة العقل والعقيدة، والسمعة الحسنة والسيرة الطيبة بين الناس.
وتختلف نظرة الأفراد إلى السعادة، فمنهم من يراها مالا، ومنهم من يراها منصبا أو نجاحا، ولكنها تظل شعوراً عاماً متاحاً للجميع لا يختص به فرد بذاته. والسعادة مرتبطة ارتباطا وثيقا بالرضا والراحة، فكلما ارتفع مؤشر الرضا والراحة، كلما أحس الأفراد بالسعادة.
أما البهجة هي الاستجابة اللحظية للمشاعر الإيجابية، تلك المشاعر المُركّزة التي تجعلنا نبتسم، ثم نضحك، ثم نشعر وكأننا نرغب في القفز في الهواء لأعلى وأسفل كنوع من التعبير العملي لما نشعر، وهي الطريقة التي يعتبرها العلماء أحد طرق قياس البهجة. الأمر الذي يختلف عن السعادة؛ والتي تُقاس بمدى الشعور الجيد الثابت نسبيًا الذي نشعر به لفترة من الوقت. فالبهجة هي شعور جيد في لحظة معينة وهذا هو الفرق بينها وبين السعادة.
والفرح، هو أحد مظاهر السعادة، وهو واحد من المشاعر التي يمر بها الأفراد في لحظات حياتهم المتعددة، وهو لذة في القلب لنيل المشتهى، والكلمة ترادف السرور والحبور والجذل والغبطة والبهجة والارتياح والاستبشار والاغتباط الفرح. وهو عاطفة إيجابية وحالة داخلية مضيئة، والتي تظهر كمية جيدة من الطاقة الإيجابية.
وترتبط السعادة ارتباطا وثيقا برؤية المملكة 2030 حيث أكد سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان- حفظه الله - في تقديمه لرؤية المملكة على أن طموح القادة للوطن من خلال الرؤية أن نبنيَ وطنًا أكثر ازدهارًا، وطن يجد فيه كل مواطن ما يتمناه، فمستقبل وطننا الذي نبنيه معًا لن نقبل إلا أن نجعله في مقدمة دول العالم، بالتعليم والتأهيل، بالفرص التي تتاح للجميع، والخدمات المتطورة، في التوظيف والرعاية الصحيّة، والسكن، والترفيه، وغيره. ويمثل برنامج (جودة الحياة) - أحد البرامج الأحد عشر التي بنيت عليها الرؤية- واحد من المؤشرات التي حددتها الأمم المتحدة لقياس مدى التقدم في جودة حياة المواطن لقياس السعادة بجانب خمسة مؤشرات أخرى، كلها تشير إلى أن هناك مفهومين مرتبطين بجودة الحياة بشكل مباشر، وهما: قابلية العيش، وذلك عن طريق تهيئة ظروف العيش من أجل حياة مُرْضِية، ونمو الحياة؛ وذلك بتوفير خيارات للناس لتكون لديهم حياة ممتعة ورغيدة.
ويُعنى برنامج جودة الحياة بتحسين جودة حياة الفرد والأسرة من خلال تهيئة البيئة اللازمة لدعم واستحداث خيارات جديدة تُعزّز مشاركة المواطن والمقيم والزائر في الأنشطة الثقافية والترفيهية والرياضية والسياحية والأنماط الأخرى الملائمة التي تساهم في تعزيز جودة الحياة، وتوليد الوظائف، وتنويع النشاط الاقتصادي، وتعزيز مكانة المدن السعودية في ترتيب أفضل المدن العالمية.
واختم مقالي هذا بهذه الكلمات التي وردت في نص الرؤية: إن الوصول إلى مجتمع حيوي يوفر للجميع حياة كريمة وسعيدة سيكون أساسا قويا للازدهار الاقتصادي، خاصة وأنه مجتمع يستند إلى قيم الإسلام المعتدل والانتماء للوطن والاعتزاز بالثقافة الإسلامية والتراث السعودي مع توفير خيارات ترفيه عالمية المستوى، ونمط حياة مستدام، وتكافل اجتماعي، ونظام فعال للرعاية الصحية والاجتماعية.
**
- مستشار تعليم إلكتروني وتدريب ومدير الابتكار